للمرة الأولى منذ انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991، حرمت سلطات إقليم شبه جزيرة القرم التابعة لروسيا تتار الإقليم من إحياء الذكرى الحادية والسبعين لتهجيرهم القسري عن وطنهم.
لم يتظاهر التتار في ساحة لينين وسط مدينة سيمفروبل يوم الأمس كما جرت العادة، بل اكتفوا بالدعاء في المساجد، ولجأ بعضهم إلى التجمع في الجبال بعيدا عن الأعين والرقابة، في حين انتشرت قوات مكافحة الشغب "الآمون" في الساحة وشوارع المدينة الرئيسية، حتى لا يقيم التتار أي نشاط يحيي هذه الذكرى.
ولهذه الذكرى وقع خاص على نفوس التتار، فهي تعود بهم إلى يوم قرر فيه السوفييت تهجيرهم بدعوى الخيانة خلال الحرب العالمية الثانية، وبقرار من الزعيم جوزيف ستالين آنذاك، ما أدى إلى مقتل وفقدان ما لا يقل عن 300 ألف منهم بسبب ظروف النقل السيئة في عربات الحيوانات إلى دول شرق آسيا ومناطق شمال روسيا.
حادثة يعتبرها التتار "جريمة إبادة جماعية"، لا تزال تداعياتهم واضحة حتى يومنا هذا، فملايين التتار يعيشون بعيدا عن وطنهم الأم، والفقر حال معظم من عادة منهم إليه بعد استقلال أوكرانيا، وهم نحو 500 ألف يشكلون نحو 18-20% من إجمالي عدد سكان الإقليم.
كييف تحييها
لكن كييف أحيت –ولأول مرة- ذكرى تهجير التتار، والسبب أن لهذه الذكرى بعدا سياسيا اليوم، يتجاوز بعديها الإنساني والقومي، لاسيما بعد أن ضمت روسيا القرم إلى أراضيها في مارس من العام الماضي.
آلاف التتار والأوكرانيين تجمعوا يوم الأمس في ميدان الاستقلال وسط العاصمة كييف، حيث خطب عدد من كبار المسؤولين والزعماء التتار، مؤكدين على "أوكرانية القرم"، ورفض "الاحتلال الروسي".
كما أقيمت عدة فعاليات غنائية وفنية وحتى رياضية في ساحات وحدائق كييف، استعرضت جانبا من ثقافة التتار وعاداتهم، وما خلفه التهجير من مآس وتداعيات.
إلفير ناشط تتري، اعتبر أن "الأزمة وحدت الأوكرانيين وجعلتهم أقرب وأكثر انفتاحا وحبا فيما بينهم، وهذا أساس لاستعادة القرم آجلا أم عاجلا"، على حد قوله.
وأوضح أن من مظاهر هذا الأمر دعم الأوكرانيين للتتار النازحين – وأعدادهم تقدر بنحو 25 ألفا وفق مسؤولين تتار-، ومشاركة التتار في عمليات مكافحة الإرهاب ضد الانفصاليين في شرق البلاد ضمن كتائب (القرم)"، .
مأساة جديدة
حزن الذكرى وآلامها خيمت على مظاهر إحيائها في كييف، وكان ذلك جليا في قسمات وجوه التتار، وخاصة في وجوه جيل عاش في المهجر عقودا، وبعين التشاؤم ينظر إلى حال التتار اليوم.
السيد إبراهيم تتري تجاوز سن السبعين، حدثنا عما يجول في خاطره أثناء وقوفه في الميدان يوم الأمس، فقال: "اليوم منع التتار من إحياء ذكرى التهجير، وهذا لم يفاجئني، لأن روسيا وريثة الاتحاد السوفييتي، وهي أيضا تعتبر التتار أعداء".
وأضاف: "أخشى أن تتكرر المأساة بصور أخرى، فالسلطات الروسية تضيق الخناق على التتار حتى تدفعهم للهجرة ببطء، ويؤلمني أن العالم وأوكرانيا يكتفون بعبارات الانتقاد لروسيا والدعم للتتار، وكأنهم سلموا بهذا الواقع الجديد للقرم، في حين أن موسكو فعلت وتفعل ما تريد.
وختم قائلا: "لو ووجهت روسيا بحزم في البداية، لما وصلت الأوضاع إلى ما هي عليه في القرم، ولا حتى في شرق أوكرانيا"، على حد رأيه.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس - الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022