أجرى الحوار: محمد هلال الخالدي - الكويت
تحيي أوكرانيا هذه الأيام ذكرى مرور 71 عاما على مأساة ترحيل «تتار القرم»، وهم أقلية مسلمة موجودة منذ أن كانت هذه المناطق تابعة للدولة العثمانية، وتمر تلك الذكرى ولا تزال القرم تشكل محور أزمة عالمية، حيث رفضت الكثير من الدول الاعتراف بضمها لروسيا من خلال استفتاء وصفه المراقبون بأنه «شكلي».
ورغم مرور أكثر من عامين على بدء الثورة في نوفمبر2013 ، والتي انتهت بالإطاحة بالرئيس فيكتور يانوكوفيتش في فبراير 2014، إلا أن أوكرانيا لا تزال تعاني من تلك التبعات وزعزعة الاستقرار في مناطق الجنوب مثل دونيتسك ولوغانسك وغيرها، ويرى كثير من المحللين أن ثورة 2013 ما هي إلا امتداد للثورة البرتقالية التي انطلقت من نفس الميدان الرئيس وسط العاصمة كييف عام 2004 واستمرت أحداثها عاما كاملا.
صحفية «الأنباء» الكويتية التقت السفير الأوكراني في الكويت فلاديمير تولكاش، والذي أكد أن جميع مناطق أوكرانيا آمنة ومستقرة باستثناء بعض مناطق الجنوب المحاذية لروسيا، حيث تشهد قتالا مع بعض الانفصاليين.
وأوضح تولكاش ان خطوات تنفيذ بنود اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي تسير بوتيرة بطيئة لكنها أنجزت الكثير، مشددا على أن الجميع في بلاده تقريبا متفق على استحالة الحل العسكري لاستعادة أراضيهم، ويأملون بدور أكبر من أصدقائهم لإيجاد حل سياسي يجنب الجميع ويلات الحروب، مشيدا بدور الكويت في هذا المجال، مؤكدا انها تبرعت بـ 3.8 ملايين دولار لمساعدة المتضررين من الشعب الأوكراني، لافتا الى اتخاذ إجراءات جديدة لتسهيل حصول الكويتيين على التأشيرة الاوكرانية، وفيما يلي التفاصيل:
استقلت أوكرانيا عن الاتحاد السوفييتي عام 1991 باتفاق معروف التزمت فيه بتسليم كامل ترسانتها النووية مقابل ضمان استقلالها على كامل أراضيها، وكانت الولايات المتحدة وبريطانيا وروسيا والصين وفرنسا قد انضمت لهذا الاتفاق، فأين ذهبت تلك الاتفاقية؟
هذا سؤال مهم جدا وهو محور القضية كلها، لكن المؤسف أن هذا الاتفاق كان مجرد تعهدات شفاهية من قبل زعماء تلك الدول، وكان المفروض أن يتم عرض تلك الاتفاقية مكتوبة على برلمانات تلك الدول لتأخذ صفة الالتزام الحقيقي، أوكرانيا كانت الدولة الثالثة في العالم من حيث القوة النووية، إلا أن الشعب الأوكراني لا يريد هذه الأسلحة والحكومة ملتزمة بالحد من الانتشار النووي، خاصة بعد حادثة تشيرنوبل، كما أن الوضع الاقتصادي لا يسمح بتمويل صناعة الأسلحة النووية، وباختصار، أوكرانيا التزمت من جانبها بتسليم ترسانتها النووية لكن لم تحصل على ما تعهد به الآخرون.
البعض يرى أن ثورة 2013 هي امتداد لـ «الثورة البرتقالية» التي لم تكتمل في 2004، ما تعليقكم على ذلك؟
بالفعل هي كلها ثورات شعبية لها نفس المنطلق، في 2004 بدأت الاحتجاجات على مظاهر الفساد وتزوير الانتخابات وتعطيل الدستور، وكان الشعب الأوكراني يطالب بإصلاحات حقيقية، وتطورت الأحداث ونتج عن ذلك مباحثات من أجل توقيع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي، وهي اتفاقية جيدة فيها بنود كثيرة تؤكد على الاصلاح والانفتاح الاقتصادي.
وفي بداية الأمر كان الرئيس السابق فيكتور يانوكوفيتش موافقا عليها وأعلن أكثر من مرة أنه يدعمها، لكن في نوفمبر 2013 ذهب لزيارة روسيا ثم عاد وأعلن أنه لن يوقع الاتفاقية، وهذا ما أدى لخروج الناس بالآلاف احتجاجا على الفساد وعلى أن قرار الرئيس ليس بيده، ومنها استمرت المظاهرات والتي تطورت إلى عنف من قبل الشرطة وانتهت كما يعرف الجميع بهروب الرئيس وسقوط النظام السابق.
كيف تصفون الوضع في أوكرانيا حاليا؟
الوضع مستقر في جميع مناطق أوكرانيا باستثناء بعض مناطق الجنوب المحاذية لروسيا، حيث نعتقد أن ما يجري هناك مدبر من قبل انفصاليين موالين لروسيا، ونحن لا نعترف وكثير من دول العالم معنا لا يعترفون بضم روسيا للقرم، وهناك إجماع دولي على أن القرم تابعة لأوكرانيا، وعند إجراء الاستفتاء العام على استقلال أوكرانيا عام 1991 كان الشعب الأوكراني كله يدعم الاستقلال ومن ضمنهم سكان القرم ومناطق الجنوب.
ويجري العمل باستمرار نحو تطوير أجهزة الدولة وتنفيذ بنود ومعايير اتفاقية الشراكة مع الاتحاد الأوروبي، رغم أن وتيرة العمل بطيئة لكن يمكن تسريعها من خلال وجود دعم دولي جاد، وأؤكد أننا في أوكرانيا لا نعمل ضد روسيا ولا ضد مصالحها، نحن نعمل من أجل بناء بلدنا، هناك إصلاحات حقيقية كثيرة تمت بالفعل منها حرية الصحافة والرقابة الشعبية على أداء المسؤولين في كل المستويات، وهذا لم يكن موجودا من قبل.
ما أكبر التحديات التي تواجهكم وما أهم أولوياتكم؟
التحدي الأكبر هو الفساد، ولذلك تم إنشاء هيئة مكافحة الفساد، ولا تزال المناقشات جارية من أجل ضمان استقلالية هذه الهيئة بحيث نضمن قيامها بدورها دون الخضوع لضغط من أي جهة سواء رئيس البلاد أو البرلمان أو الحكومة أو جماعات تأثير من أي مكان، أولوياتنا هي إعادة بناء النظام الاقتصادي من جديد، وهناك تطور ملحوظ في هذا الاتجاه وهناك مجالات جديدة بدأت تتطور غير المجالات القديمة التي اشتهرت بها أوكرانيا وأعني الحديد والصلب.
هل لديكم نية للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي؟
مبدئيا نعم، نحن نسعى للانضمام للاتحاد الأوروبي، فهذا أفضل ويحقق مصالح مشتركة، حاليا نحن في مرحلة أولى وهي مرحلة الشراكة، حيث تم توقيع الاتفاقية العام الماضي، وستدخل حيز التنفيذ في يناير 2016، وقد قطعنا بالفعل شوطا كبيرا واستطعنا تحقيق متطلبات بنود كثيرة في هذه الاتفاقية، ونأمل بمزيد من الدعم من أصدقائنا لنتمكن من تحقيق كل المتطلبات من أجل تفعيل الاتفاقية التي سيكون لها أثر كبير على بناء أوكرانيا الجديدة، خاصة في الجانب الاقتصادي، وسيكون منطلقنا لخطوات لاحقة نحو الانضمام للاتحاد الأوروبي، وندرك أن سبيلنا الوحيد لبلوغ غايتنا هو الإصلاح الحقيقي، وأؤكد أننا نسير في هذا الطريق رغم الصعوبات والمعوقات الكثيرة.
ما الذي تريدونه من الدول الأخرى لمساعدتكم؟
نحن ندرك جيدا أن الحل العسكري غير مجد في قضية القرم ومناطق جنوب أوكرانيا، ونعتقد أن الحل السياسي هو الفرصة الوحيدة الممكنة، ونطلب أولا من الشعب دعم جهود الحكومة والبرلمان، والتعاون ورفض ضم القرم لروسيا، وبلا شك نحتاج دعما ومساندة أصدقائنا لتسليح الجيش، ونحن ننتظر من أصدقائنا في الولايات المتحدة والحلفاء الإسراع في تسليح الجيش وتمكينه من الدفاع عن أرض الوطن، وكذلك دعم الإصلاحات التي من شأنها إعادة بناء الدولة ومؤسساتها بصورة تتوافق مع المعايير الأوروبية.
ونثمن كثيرا مساعدة الكويت لنا حيث تبرعت بمبلغ 3.8 ملايين دولار لمنظمة تشيرنوبل المعنية بأعمال الاغاثة ومساعدة المتضررين من الشعب الأوكراني، كما أنها من الدول الفاعلة في مجال العمل الإنساني وجهودها في هذا الاتجاه واضحة للجميع ونحن نتطلع لمزيد من المساعدات من أجل إغاثة اللاجئين الأوكرانيين الذين يتعرضون لمأساة كبيرة بفعل النزاع الدائر، فهناك تقريبا أكثر من مليون لاجئ بحاجة لمساعدات عاجلة.
كيف ترون العلاقات بين الكويت وأوكرانيا؟
بلا شك هي علاقة جيدة على كل المستويات، ونحن نقدر كثيرا المواقف الكويتية الداعمة لحقنا في استقلال أراضينا وسيادة بلدنا، وأشير إلى أنه رغم الأوضاع الأمنية التي تشهدها المنطقة إلا أننا سجلنا رقما قياسيا في إصدار التأشيرات للجوازات الكويتية.
هل هناك فرص استثمارية في أوكرانيا تدعو الكويتيين إليها؟
حاليا الوضع الأمني صعب إلى حد ما، وهناك دائما فرص استثمارية جيدة، ونحن نلاحظ زيادة الطلب والاستثمار في العقارات، خاصة في ظل انخفاض الأسعار الذي تشهده البلاد في الوقت الراهن، ومع ذلك أستطيع القول ان حجم التبادل التجاري بين البلدين انخفض كثيرا بسبب تطور الوضع الأمني، حيث كان يقدر بأكثر من 30 مليون دولار في عام 2012، لكنه تراجع إلى حوالي 18 مليون دولار في عام 2014، لكننا نتوقع زيادة حجم التبادل في 2015، وأنبه الى ضرورة مراجعة سفارة أوكرانيا قبل الإقدام على أي مشاريع تجارية وذلك لضمان حفظ حقوق المستثمرين، وأشير إلى وجود بعض الأفراد المحترفين بالنصب والاحتيال ولذلك لابد من مراجعة السفارة للتأكد من سلامة الجهة التي يراد التعامل معها والتأكد إذا كانت سجلاتها صحيحة أم لا.
يشتكي البعض من إجراءات إصدار التأشيرة للكويتيين لدخول أوكرانيا، هل هناك جديد في هذا الشأن؟
نعم هذا صحيح، وهناك بالفعل سلسلة من الإجراءات الجديدة التي من شأنها تسهيل الحصول على تأشيرة دخول أوكرانيا بالنسبة للكويتيين، أولا تم إعفاء أصحاب الجوازات الخاصة من التأشيرة، كما تم إلغاء شرط الحصول على «دعوة مسبقة» من مواطن أوكراني وأصبح بالإمكان طلب التأشيرة من دون دعوة مسبقة من داخل أوكرانيا، ونحن نحرص على تبسيط الإجراءات وتطوير العمل باستمرار.
ماذا عن الطلبة الكويتيين الذين يدرسون في أوكرانيا، وهل يواجهون صعوبات معينة؟
حاليا تراجع عدد الطلبة كثيرا، هناك عدد قليل جدا من الطلبة ووضعهم جيد ولا توجد أي مشاكل تواجههم، كما قلت سابقا جميع مناطق أوكرانيا آمنة ومستقرة والحياة فيها طبيعية باستثناء مناطق النزاع في جنوب البلاد وهي بعيدة عن العاصمة كييف، وحركة الطيران والسفر مستمرة وهناك رحلات يومية عن طريق دبي أو اسطنبول، وأشير إلى أننا لدينا اتفاقية تعاون ثقافي بين جامعة الكويت وإحدى أعرق وأكبر الجامعات الأوكرانية، ونأمل في الاستمرار في تطوير هذه الاتفاقية وتوسيع نطاقها وتفعيل برامجها بصورة أكبر بما يخدم البلدين ويعزز العلاقة الجيدة بين الكويت وأوكرانيا.
كيف تنظرون للاتفاق النووي بين الولايات المتحدة وإيران وتداعياته على المنطقة؟
نحن لدينا تجربة سابقة في هذا الشأن، وتوصلنا لقناعة راسخة حول ضرورة الحد من الانتشار النووي، ونعتقد أن العالم سيكون أفضل إذا تجنب التسليح النووي واتجه لتطوير البرامج الاقتصادية وتحسين مستوى المعيشة.
ما موقف أوكرانيا من العمليات العسكرية ضد الحوثيين في اليمن والتي تشارك بها الكويت من أجل استعادة الشرعية في هذا البلد؟
الوضع في اليمن معقد جدا ونحن نقيم الأمور وفقا لمنظورنا الخاص الذي نقارنه دائما بوضعنا في أوكرانيا، الأمر المهم أن التحالف العربي بقيادة السعودية مدعوم من قبل الولايات المتحدة ويتم بغطاء من الشرعية الدولية بقرارات من الأمم المتحدة وبطلب من الحكومة الشرعية في اليمن ذاتها، ونحن نشدد على أهمية ذلك لأن الشرعية الدولية ضرورية لضمان استقرار العالم، خاصة بالنسبة للدول التي لا تملك قوة كافية للدفاع عن نفسها ضد قوى أكبر منها كما هو الحال في أوكرانيا واليمن، والأمر الآخر المهم هو أن تتجنب العمليات العسكرية بقدر الامكان إصابة المدنيين، وأن تكون هناك عمليات إغاثية متوازية مع العمليات العسكرية وهو ما جرى فعلا حيث تم إنشاء مركز الملك سلمان للأعمال الإنسانية ومساعدة المتضررين في اليمن.
تتار القرم
كانت جمهورية تتار القرم إحدى الجمهوريات الإسلامية في شمال البحر الأسود، واسم «القرم» باللغة التترية يعني «القلعة» ويعود تاريخ التتار المسلمين في شبه جزيرة القرم إلى العصر العباسي، حيث استقرت جماعات وقبائل من أصول تركية أطلق الروس عليهم لاحقا اسم «التتار».
وفي عهد ستالين تعرض تتار القرم لعمليات ترحيل قسرية واسعة النطاق إلى صحراء سيبيريا، حيث شهدت مأساة إنسانية كبرى راح ضحيتها ملايين المسلمين من تتار القرم، وساهم المناضل التتري مصطفى جميلوف باقتدار من أجل عودة أكبر عدد ممكن من سكان القرم، ورغم أنه عضو حاليا في البرلمان الأوكراني، إلا أنه ممنوع من دخول القرم «موطنه الأصلي».
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
الصحافة الكويتية
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022