خلف تجاعيد وجه وأيادي كل جدة تترية في إقليم شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا حكايات ومواقف من تاريخ حفل بالقهر والمآسي خلال عقود القرن الماضي إبان الحقبة السوفيتية.
كان للنساء التتريات آنذاك دور كبير وبارز في الحفاظ على الهوية التترية الإسلامية ونقلها إلى الأبناء ثم الأحفاد، رغم كل التحديات والصعوبات التي تعرض لها التتار.
حرم النظام السوفيتي التتار وغيرهم من ممارسة تعاليم الدين، وحرق ودمر وصادر معظم مساجدهم وكتبهم ومؤسساتهم التعليمية الدينية، ثم هجر تتار القرم قسرا إلى دول آسيا الوسطى وشمال روسيا في العام 1944 بدعوى الخيانة ومساعدة القوات الألمانية في الحرب العالمية الثانية.
وبسبب ظروف الهجرة وسلسلة الإعدامات بحق التتار لقي نحو 300 ألف منهم مصرعهم، ومعظمهم من الذكور، ليبرز دور المرأة التترية كمعيلة ومعلمة للأبناء في المهجر، بسبب وفاة الزوج، أو غيابه في ساحات العمل أو الحرب.
حكايات
تحكي بعض نساء الأمس التتريات وجدات اليوم قصصا من ذكريات تلك السنين، فتقول الحاجة صفية (79 عاما) إنها خبأت القرآن الكريم في بطنها كالحامل عندما أمرت بالخروج والهجرة، ثم دفنته في مخزن الطعام تحت الأرض في بيتها بأوزباكستان.
وتضيف أنها مزقت كتبا أخرى، وحشت بها ثيابها لتجمعها من جديد فيما بعد، مشيرة إلى أن الكثيرات كن يفعلن ذلك، فالرقابة عليهن كان أخف من الرقابة على الأزواج.
وتقول الجدة آسيا (81 عاما): "أعطينا 15 دقيقة لنحمل ما يلزمنا ونخرج من بيوتنا، فجمعت الذهب ومجموعة من الألبسة، ووضعت القرآن داخلها فلم أكشف".
وتضيف: "كنا في المهجر نصلي خفية في الأقبية بأوقات متأخرة من الليل، ونخاف أن نعلم الأبناء القرآن خشية أن يرددوه أو يحدثوا غيرهم عنه في المدارس، وبعد أن خفت الرقابة على التدين في أواخر السبعينيات علمناهم سورا وآيات كنا نقرأها ونحفظها، وكنا حريصين على التحدث معهم باللغة التترية دائما".
حفل تكريم
ساهمت الجدات التتريات بالحفاظ على الهوية التترية الإسلامية قد المستطاع، وتكريما لهن، أقام اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد" حفلا في المركز الثقافي الإسلامي بمدينة سيمفروبل عاصمة الإقليم، دعيت إليه العشرات منهن.
وعن الحفل قالت فاطمة عمرواللايفا رئيسة القسم النسائي في الاتحاد إنه حفل يهدف إلى تكريم رمزي للجدات، وتسليط الضوء على الصعوبات التي واجهنها في حياتهن للحفاظ على مستقبل الأحفاد.
وقد تخلل الحفل كلمات مؤثرة لبعضن، ومنها كلمة للحاجة علية (75 عاما) وجهتها إلى الأحفاد، قالت فيها إن عليهم التمسك بدينهم وثقافتهم التترية وفاء لمن ضحوا من أجل هويتهم ومستقبلهم، وأعدموا لأنهم صلوا أو حاولوا تعليم القرآن على سبيل المثال.
واعتبرت أنه من الخيانة أن لا يكترث الأبناء والأحفاد بالتعلم وتعليم أبنائهم الإسلام واللغة التترية، في زمن لم يعد ذلك عليهم ممنوعا.
أوكرانيا برس + الجزيرة نت
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022
التعليقات:
(التعليقات تعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس")