قصر الخان.. دليل على الوجود وشاهد على التاريخ الإسلامي في القرم (صور)

قصر الخان.. دليل على الوجود وشاهد على التاريخ الإسلامي في القرم
المسجد الكبير التابع لقصر الخان في مدينة بخش سراي بالقرم جنوب أوكرانيا
نسخة للطباعة2012.07.30

يعتبر قصر الخان الأثر الوحيد "الكامل" المتبقي من حضارة تتار إقليم شبه جزيرة القرم المسلمين الذي حكموا الإقليم وعدة مناطق مجاورة مدة 4 قرون، وهو واحد من بين 5 قصور ضمها الإقليم، لكن 4 منها هدمت وأزيلت خلال القرنين الثامن والتاسع عشر الماضيين من قبل القيصرية الروسية.

يقع القصر في وسط مدينة بخش سراي التي كانت عاصمة لولاية القرم التابعة لدولة الخلافة العثمانية في أجزائها الشمالية، على ضفة نهر "شوروق سو" بالتترية (ماء الشرق)، مبني على الطراز التركي السلجوقي القرمي، ومحاط بالحدائق والأشجار الباسقة.

والقصر آية في جمال الفن الهندسي والمعماري، يضم مسجدين وبيت السلطان ومقبرة للأسرة السلطانية، وكذلك ديوانية وغرفا للضيوف وبيوتا للخدم والحراس، إضافة إلى قاعة للسمر في الصيف ومبنى خاص بالنساء (حرملك).

أما حديقته الواسعة فتتلون بمختلف أنواع الأشجار والزهور والنباتات، وتضم 14 نافورة، من أبرزها نافورة "عين الدموع" التي بناها الخان قرم كيراي حزنا على وفاة زوجته الحبيبة ديلارا، والنافورة الذهبية، ونافورة سلسبيل.

دليل وجود

ويعتبر التتار وعدة مؤرخون أن القصر واحد من أبرز الدلائل على قدم الوجود التتري الإسلامي وعراقته في الإقليم الذي يتبع اليوم لأوكرانيا بعد أن كان الإقليم ولاية.

ويشير د. أمين القاسم الباحث في تاريخ القرم والتتار إلى أن القصر بني في عهد الخان (السلطان) صاحب كيراي الأول بداية القرن السادس عشر على مساحة تبلغ نحو 18 هيكتارا، وكان مقرا للحكم السياسي والثقافي لأسرة كيراي الحاكمة للقرم وما حوله مدة قرنين ونصف (1532 – 1783م).

ويشير القاسم أيضا إلى أن الكثير من المؤرخين الروس خلال الحقبة السوفيتية في القرن الماضي زوروا التاريخ، فنسبوا القرم للقيصرية الروسية، أم معظم المؤرخين المنصفين فيؤكدون أن سكانه الأصليين ينحدرون من أصول تركية (التتار)، ولم يكن للروس أي وجود يذكر، في حين تبلغ نسبتهم اليوم نحو 40 من إجمالي عدد السكان البالغ نحو 2.5 مليون نسمة، ولا تتعدى نسبة التتار 20%.

هدم وتخريب

ويشهد القصر – كغيره من الآثار التترية الإسلامية في القرم – على صولات وجولات حرب، حاول خلالها الروس السيطرة على الإقليم وطمس معالمه.

يقول القاسم إن الروس دخلوا مدينة بخش سراي لأول مرة في العام 1736 بقيادة المارشال كريستوف مينيخ، الذي أمر بإحراقها وهدم وإحراق القصر، قبل أن يعيد الخانات بنائه وترميمه.

ويشير إلى أن جل عمليات الهدم وطمس المعالم حدثت بعد سيطرة القيصرية الروسية على القرم في العام 1783، حيث هدمت أجزاء كثيرة منه، للتراجع مساحته من 18 إلى 4.3 هيكتارات.

كما غيرت الكثير من معالمه، وبدل أثاثه، لراحة الإمبراطورة كاترين الثانية وغيرها من كبار الزوار، ثم جعل في أواسط القرن التاسع عشرا مصحا يحجر فيه مرضى الأمراض المعدية.

متحف ورمز

وقد حول القصر إلى متحف ولا يزال حتى يومنا هذا، مع اعتباره رمزا للحضارة والوجود التتري الإسلامي في الإقليم.

فبعد الثورة البلشفية، أهمل الاتحاد السوفيتي القصر ولم يكترث به، ثم حوله إلى متحف تحت عدة مسميات، وقام بترميمه في ستينات القرن الماضي لأسباب دولية، فأعيدت إليه بعض ملامحه القرمية الإسلامية، دون السماح للمسلمين بممارسة تعاليمهم فيه والصلاة في مسجده الكبير المتبقي.

وفي العام 2003 بدأت وزارة الثقافة الأوكرانية سلسلة ترميمات جادة فيه؛ وهو اليوم متحف للفن والحضارة القرمية التترية، وفيه لوحات وصور ومقتنيات للقياصرة الذين سكنوه، وهو من أشهر المعالم الوطنية في أوكرانيا.

ويرى التتار في القصر رمزا لهم ولدينهم وهويتهم، فلا يكاد يخلو بيت تتري من صوره وصور مسجده الكبير، وعنه يقول مسلم درويشوف رئيس جمعية الأمل الشبابية التترية: "القصر إرثنا وفيه أصالة تاريخنا وحضارتنا، وفيه وحول تدور الكثير من حكاياتنا وقصصنا الشعبية".

ويضيف: "يحرص التتار على زيارة القصر كلما سنحت لهم الفرصة، وعلى تعريف أبنائهم بتاريخه ومرافقه، ويحرص الكثير من الشباب التتار على الزواج داخله، ففيه بركة مصدرها الدين، وهذا يمنحهم الفأل الحسن".

أوكرانيا برس + الجزيرة نت

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022