يامن خضور - كييف
دأبت العديد من الدول الغربية على إحياء ذكرى انتهاء الحرب العالمية الثانية في الثامن والتاسع من شهر مايو من كل عام.
وتخليدُ هذه المناسبة ينقسم لمكونين؛ الأولُ هو تذكر الجنود الذين سقطوا أثناء تأديتهم لواجبهم العسكري، والثاني هو الاحتفال بالنصر على النازية.
الأوروبيون يتخذون زهرةَ الخَشخاش الأحمر رمزا لهذه الذكرى، و اختيارُ هذهِ الزهرةِ تحديدا له قصةٌ سنرويها في هذا المقال.
القصة تبدأ مع ملازمٍ أول اسمه جون ماكري، الذي كان يقاتل في الحرب العالمية الأولى مع رفاقه في مدينة ليبيرز البلجيكية بمقاطعة فلاندرز، و التي كانت تقف حاجزا أمام تقدم الألمان واحتلالهم ما تبقى من بلجيكا، و متابعة الزحف نحو فرنسا.
شهدت هذه المدينة الاستراتيجية أعنف معارك الحرب العالمية الأولى؛ معركةُ فلاندرز التي زُهق فيها كثيرٌ من الأرواح و فقد الطرفان قرابة نصف مليون جندي.
العديد من زملاء جون قضوا في هذه المعركة، فكتب فيهم قصيدةً لاقت شهرة واسعة فيما بعد..
القصيدة اسمها (في حقول فلاندرز)؛ في عرض قصيدته ذَكَر زهرة الخشخاش التي غطت قبور الجنود بلونها الأحمر القاني وكأنها تلونت بدمائهم.
وفي عام 1921 اُعتمدت هذه الزهرة رمزا وطنيا لتخليد أرواح أولئك الجنود.
و هكذا باتت زهرة الخشخاش ترمز لدى الشعوب الغربية إلى الحرب وضحاياها؛ و عَلِق هذا الأمر بوجدان الناس تاريخيا، لأنهم لاحظوا أنها تنبت في الأماكن التي كانت ساحاتٍ للقتال.
وفي الشرق نقع على رمزٍ مشابهٍ لزهرة الخشخاش لحدِّ التطابق وهو شقائق النعمان.
ولهذه الزهرة أيضاً حكاية قديمة؛ فهي تنسب إلى النعمان بن المنذر ملك الحيرة، لأنها نبتت على قبره بعدما قتله كسرى ملك الفرس دهساً تحت أقدام الفيلة؛ فكان هذا الأمر الشرارة التي أشعلت معركة ذي قار.
كما وترتبط زهرة شقائق النعمان بأسطورة أدونيس الفينيقية ارتباطاً وثيقاً؛ لأنها تروي أن هذه الزهرة نبتت من دم أدونيس؛ الصياد الذي قتلته طريدته، فناحت عليه حبيبته عشتار و راحت تلوم الأقدار قائلة: سوف يبقى للأبد لموت أدونيس ذكرى حزنٍ بالغٍ، وسوف يُمثَّل كلُّ عامٍ مشهدُ موته ، و ستنبثق زهرةٌ من دمه في كل ربيعٍ لتذكّر بحزني عليه.
وأوكرانيا التي تحيي هذه الذكرى سنويا، باتت في السنوات الأخيرة هي أيضا تعتمد زهرة الخشخاش.
سابقا كان الاحتفال بذكرى النصر على النازية يتجلى بشريط غريغوري ذي اللونين الأسود والبني الفاتح ودلالاته السوفييتية.
ومع اندلاع الحركة الانفصالية شرقي البلاد بدأت أوكرانيا البحثَ عن رمز جديد يتناسب مع تقربها ومحاولة اندماجها بالدول الأوروبية.
وفي عام 2014 اُعتمد يوم الثامن من مايو يوما للذكرى والتصالح، و التاسع منه يوما للنصر.
بعض المؤرخين الأوكرانيين يقول أن اختيار زهرة الخشخاش الحمراء تحديداً حتَّمتهُ الضرورة التاريخية، لأن الشعب الأوكراني كان عليه واجب مقاومة الدعاية الانفصالية الروسية، واعتمادَ رمزٍ يحمل دلالات جديدة.
ومن بين الرموز التي كانت مطروحة اُختيرت هذه الزهرة لصلتها العميقة بالتاريخ الوطني وهي المذكورة بكثرةٍ في الأغاني الشعبية المخلدة لذكرى الأبطال القوزاق الذين ضحوا بحيواتهم لحماية أوكرانيا.
بعض الناس عدَّ زهرة الخشخاش مناسبةً لتخليد ذكرى من سقط في الحروب ووفاءً لتضحياتهم، لكن آخرين وجدوا شريط غريغوري السوفييتي مناسباً أكثر للاحتفال بالنصر رغم إثارته حفيظة فئةٍ كبيرة من الشعب.
ولكن الجميع اتفق على أن زهرة الخشخاش رمز وطني وأوروبيٌ جامع.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022