لأول مرة منذ سبعين عاما، ولأول مرة في تاريخها المستقل، مر يوم التاسع من أيار/مايو مرور الكرام على أوكرانيا، فلا تجمعات ولا احتفالات بعيد نصر الاتحاد السوفييتي على ألمانيا النازية في الحرب العالمية الثانية.
ميدان الاستقلال خلى تقريبا من وجود المحاربين القدامى، وغابت اليوم دموعهم على من قتل إلى جانبهم من "رفقاء السلاح"، كما غابت رقصات وأناشيد فرحهم الشهيرة بعيد النصر.
أوكرانيا استبدلت هذا العيد بآخر أحيته يوم الأمس، وأطلقت عليه اسم عيد "الذكرى والمصالحة" بدل "النصر"، في خطوة جديدة على طريق خلع عباءة الماضي الذي كانت فيه ثاني أكبر دولة في الاتحاد السوفييتي المنهار، على ما يبدو.
وكان البرلمان الأوكراني قد أقرت مؤخرا مجموعة قوانين تجرم الترويج للفكر الشيوعي الذي حكم الاتحاد، وكذلك للإعلان عن أي نشاط يتصل برموزه ويسوقها.
بل واستضاف البرلمان تحت قبته محاربي قدامى آخرين "تحرريين"، قاتلوا جنود الاتحاد السوفييتي خلال الحرب، ويتهمهم الشيوعيون بالخيانة والفاشية والعمال للنازية.
جدل التاريخ
لا شك أن أوكرانيا تغير وجهها شيئا فشيئا بعد احتجاجات أطاحت بنظام الرئيس فيكتور يانوكوفيتش الموالي لروسيا في فبراير 2014، لكن خلافا كبيرا يقسم الأوكرانيين إزاء التاريخ، ومحاولات "تحريفه" أو "تصحيحه"، كما يتجادلون.
السيدة فيرا أحيت اليوم "النصر" في بيتها، وقالت لنا: "تجاهل كل التضحيات التي قدمتها شعوب الاتحاد السوفييتي خيانة. أوكرانيا أكثر دولة تضررت من النازيين، وكل بيت فيها فقد شخصا أو أكثر ليتحقق النصر".
وأضافت: "لأول مرة أشعر أنني "مهانة"، وأن السلطات تسيء للتاريخ بسبب الأزمة مع روسيا. الأجيال يجب أن تحترم بعضها وتحافظ على ماضيها".
لكن السيد إيفان (50 عاما) ينظر بعين مختلفة إلى الماضي، وعنه قال: " تاريخ وثقافة ولغة أوكرانيا أوكرانيا هو ليس نتاج 70 عاما قضتها في عضوية الاتحاد السوفييتي، بل إني أنظر إلى الاتحاد كاحتلال فرض نفسه وفكره، وإلا قل لي...، أي الشوعية وأنصار الوحدة مجددا؟"، على حد تساؤله.
وتابع إيفان بالقول: "الأوكرانيون أكثر من ضحى لقتال النازيين، وهذا دليل على أننا لسنا مؤدين للنازية كما تروج روسيا، التي تشكل أكبر تهديد لنا اليوم. أنا فخور بأنني لن أرى في بلادي رموزا تشير إلى ماض أليم، وإلى من يعتدي علينا".
بين روسيا وأوروبا
معظم المراقبين يجمعون على أن ما يحدث يأتي في إطار الأزمة المستمرة مع روسيا منذ الإطاحة بمواليها، ويرى فيه آخرون استفزازا لموسكو، التي لطالما استفزت كييف، كما يؤكدون.
وكان وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف قد أعلن نهاية شهر أبريل الماضي أن "أهالي منطقة الدونباس في شرق أوكرانيا (حيث تدور المواجهات مع الانفصليين الموالين لروسيا) لن يحتفلوا أبدا بالأعياد الجديدة التي أدخلتها القيادة الأوكرانية الجديدة الممجدة للقادة القوميين الأوكرانيين".
في حديث معنا، اعتبر إيهور كوهوت رئيس مركز التشريع السياسي في كييف أنه "ليس من المستغرب أن تنتقل الأزمة مع روسيا إلى مجالات الثقافة والتاريخ بعد السياسية والاقتصاد والعمل العسكري وحتى اللغة".
كوهوت يرى أن لمؤيدي عيد "النصر" ومعارضيه ما يدعمهم، ولكن أندريه بوزاروف خبير العلاقات الدولية اعتبر أن رغبة أوكرانيا في التقارب مع الاتحاد الأوروبي والغرب سبب رئيس لتغيير العيد.
وحذر بوزاروف من توسع الهوة بين السلطة ومعارضيها من جهة، وبين الشعب بحسب انتماءاته وتوزعه الجغرافي من جهة أخرى، لأن "ذلك قد يؤدي فعلا إلى الانقسام"، على حد زعمه.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس - الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022