د. أمين القاسم - القرم
يعرف بغدان (أو بوهدان) خميلنيتسكي المولود في أوكرانيا عام 1595م بأنه رجل دولة وسياسي ومناضل وقائد عسكري أوكراني كبير.
توفي والده عام 1620م في معركة "تسيتسوروي" بملدافيا مع البولنديين ضد تتار القرم، وفيها أسر ابنه بغدان ليخرج بعد عامين هاربا، أو كما ذكر بعض المؤرخين بفدية من أحد أقربائه.
حارب خميلنيتسكي الكومنولث البولندي الليتواني (1569-1795م) والذي كان مسيطرا على أوكرانيا، وثار ضدهم في مقاطعته زبروجيه التي كان يحكمها من قبلهم، وكانت ثورته هذه -وكما يسميها المؤرخون- حرب التحرير الوطنية الأوكرانية، التي أخذ على أثرها لقب "هتمان" (أي أمير أو حاكم ولاية).
وأنشأ خميلنيتسكي دولة القوزاق الأوكرانية، وحكمها من عام 1648 حتى 1657م، وذلك وسط أوكرانيا حول نهر دنيبر، وبدعم من خان القرم إسلام كراي الثالث، الذي حكم من عام 1644 حتى 1654م.
وقد كان خميلنيتسكي سياسيا ذكيا وخطيبا مفوها، إضافة إلى الخبرة العسكرية التي امتلكها أثناء حروبه ضد العثمانيين والبولنديين.
دخلت دولته تحت حكم القياصرة الروس عام 1654م، بسبب ضعفها وتخلي القرميين عن دعمها.
توفي خميلنيتسكي في أغسطس من عام 1657م، ويعتبر بطلا وزعيما وطنيا تحرريا أوكرانيا، دعا إلى استقلال الأوكرانيين وتأسيس دولة خاصة بهم.
وتكاد لا تخلو مدينة في أوكرانيا من شارع أو تمثال أو حي أوغيرها يحمل اسم بوهدان خميلنيتسكي، كما تحمل العملة الأوكرانية الورقية من فئة الخمسة هريفنات صورته، إضافة لعدت طوابع تخلد ذكراه ومعاركه.
خميلنيتسكي والدين الإسلامي
كان الاتصال الأول لخميلنيتسكي مع المسلمين عندما وقع في الأسر لدى تتار القرم والأتراك، وقد أتقن اللغة القرمية التترية والتركية بحكم وجوده في الأسر لعامين، بين 1620 و1621م، وقد ذكر بعض المؤرخين أنه أظهر إسلامه في هذه الفترة لكي يحسن من وضعه في الأسر، وليتمكن لاحقا من الهرب.
خاض خميلنيتسكي عدة معارك مع البولنديين ضد الدولة العثمانية، ثم مع الدولة العثمانية والتتار ضد البولنديين، لذا فقد خبر وعرف الكثير عن الإسلام وعاداته.
قام خميلنيتسكي بالسفر إلى القرم للاتفاق والتحالف مع الخان القرمي التتري إسلام كراي الثالث عام 1648م، ومكث في مدينة بغجه سراي عاصمة الخان أربعين يوما، ثم عاد بصحبة عدة آلاف من الفرسان التتار إلى زبروجيه، وكان على رأسهم القائد القرمي الكبير توغاي بيه (1601-1651م).
حارب تتار القرم إلى جانب خلميلنيتسكي وقواته ضد البولنديين، واشتركوا في عدة معارك حققوا فيها انتصارات باهرة حتى وصلوا إلى مشارف مدينة لفيف في الغرب الأوكراني، وقد استمر هذا التعاون حوالي ست سنوات.
ويذكر المؤرخون أن عدد الجنود التتار المشاركين في الحروب إلى جانب الجيش الأوكراني يفوق عدد الجنود الأوكرانيين.
ويورد المؤرخ الأوكراني صموئلو فليتشكو (1670-1728م) في كتابه "تاريخ الأحداث في جنوب غرب روسيا بالقرن 17م" صيغة القسم الذي أداه خميلنيتسكي أمام الخان، والذي يخلو من ذكر التثليث، وهو:
"إلهي، خالق جميع الحيوانات المرئية وغير المرئية، واهب الأفكار للبشر، أقسم لك أنني بحاجة إلى عفو ورحمة الخان ومساعدة القوات القرمية، وإن حاجتي وطلبي حقيقية بدون غش وخيانة. وإذا عملت ضد رغبة الخان، فليعاقبني الرب، وليقطع رأسي عن منكبي بحد هذا السيف".
هل أسلم بوهدان خميلنيتسكي؟
وقد ذكر الكاتب والمؤرخ البولندي أوسيب سينكوفسكي (1800-1858م) في كتابه "مجموعة ملاحظات من كتابات المؤرخين الأتراك" الذي صدر عام 1824م أن بوهدان خميلنيتسكي قد أسلم، وقد رسم في كتابه لوحة لخميلنيتسكي وهو يصلي مع الخان إسلام كراي الثالث في بغجه سري.
كما نقل المستشرق والمؤرخ الروسي فاسيلي سميرنوف (1846-1922م) في كتبه عن تاريخ الخانية القرمية والأتراك عن مؤرخ تركي أن "خميلنيتسكي عندما كان شابا في الأسر اعتنق الإسلام، ولم يسع لإقامة اتصالات دبلوماسية مع الخان القرمي فقط، بل صلى معه صلاة المغرب وقرأ القرآن، وقد أخفى محمديته عن القوزاق والروس"، ورسم صورة لخميلنيتسكي مع الخان إسلام وهما يؤديان الصلاة.
ويرد بعض المؤرخين الأوكرانيين والروس بأن خميلنيتسكي قد يكون أظهر الإسلام خدمة لمصالحه السياسية والعسكرية، وذلك للحصول على المساعدة والمساندة من تتار القرم والأتراك في حربه ضد الكومنولث الليتواني البولندي واستقلاله عنه.
ولكن الذي يظهر لنا من خلال نصوص وأقوال المؤرخين أن الزعيم الوطني الأوكراني الفذ بوهدان خميلنيتسكي كان على اطلاع واسع بالدين الإسلامي وأحكامه وأعرافه، وأنه اختلط وأنصاره بالمسلمين وتعلموا منهم، وأخذوا عنهم عدة أعراف وتقاليد، وحتى مجموعة من الكلمات التركية والتترية، التي دخلت اللغة الأوكرانية الحديثة.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022