الإسلام أصل وتفصيل لحقوق الإنسان

الإسلام أصل وتفصيل لحقوق الإنسان
نسخة للطباعة2013.08.03

د. علي ناصر - أوديسا

لعبت مسألة حقوق الإنسان وحرياته دوراً كبيراً في تفجير الكثير من الثورات والانتفاضات على مدى تاريخ الإنسانية، وذلك اعترافا بها وتقديراً لواجب حمايتها وبذل الأرواح والجهود في سبيل الدفاع عنها ونشرها والتثقيف بها.

الإنسان الذي كرمه الله، ورفعه درجه أعلى من سائر مخلوقاته، أمضى على ظهر الأرض عمراً مديداً لم يخل أبدا من الاضطهاد، وإهدار الكرامة والحقوق. وكان ذلك كله من صنع الإنسان نفسه، لكن الضمير الخير داخل بني البشر، لم يرتض أبدا عدوان الإنسان على الإنسان، فجهر في تقنين الحماية الواجبة للكائن الإنساني ضد الظلم والتعسف والاضطهاد والقهر، وكان ذلك الضمير متسقا مع ما أكرم الله به خلقه وعززته شرائع الحق.

هكذا نجد قضية حقوق الإنسان مرجعيتها في مصادر وتشريعات وطنية وإقليمية ودولية وعالمية عديدة تخاطب الدول والإفراد باحترام تلك الحقوق وصيانتها والدفاع عنها بقوة للحد من الانتهاكات الواقعة عليها وإنصاف المظلومين والمضطهدين، وهو ما تضمنه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان لعام 1984 والعهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية لعام 1966 والعهد الدولي الخاص بالحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية لعام 1966 والبروتوكولان الاختياريان الملحقان به.

هذه الصكوك والتشريعات كرست المعايير العالمية لحقوق الإنسان ومنها حق الحياة، حيث لا مجال لبلوغ هذا الحق في حياة كريمة مالم تتوفر جميع الضروريات الأساسية للحياة - أي العمل والغذاء والسكن والرعاية الصحية والتعليم والثقافة - على نحو كاف وعادل لكل فرد، أضافه إلى حقوق أخرى كحقوق المرأة والطفل والحماية من التمييز العنصري وعددا كبيرا آخر من القضايا.

تتوقف مسالة حقوق الإنسان وتعزيزها على التطبيق الفعلي والجديد للحقوق الواردة في المواثيق والصكوك الدولية، ولا يتأتى ذلك إلا عن طريق إنشاء آليات للرقابة والتنفيذ والوقاية. فما أكثر مواثيق حقوق الإنسان حين نعدها ولكن إذا افتقرت إلى آليات التطبيق التي تسهر على تنفيذها على ارض الواقع، تصبح سراباً يحسبه الظمآن ماء.

وهذه الآليات عديدة ومتنوعة منها الحماية الدبلوماسية والحماية الجنائية الدولية والمسؤولية المدنية الدولية والمنظمات الحكومية وغير الحكومية والمحاكم الدولية والحماية الدولية والإقليمية والوطنية وغيرها.

الهدف من ذلك هو بيان مكانة الإنسان بوصفه كائناً كرمه الله سبحانه وتعالى وحمَلة الأمانة  الإنسانية على مدى العصور ووهبه أسمى واجل النعم وفي مقدمتها العقل البشري، باعتباره الميزة  الأساسية التي تميز بها الإنسان عن المخلوقات الأخرى، وبيان قيمته ووضعه الطبيعي السامي الذي أقره له الإسلام. فالأخلاق السامية واحترام الإنسان وحقوقه الجوهرية كلها تدخل ضمن طاعة الله جل وعلا التي أمر عباده بها وفضلهم على أساسها.

وبالنسبة للحقوق في رأي الإسلام  فإننا نجد بان الشريعة لم تميز بين أنواع الحقوق بوصفها حقوق للرجل أو للمرأة، أو حقوقا شخصية أو عقائدية، وإنما جميع الحقوق الإنسانية في الأصل الأولي متساوية الأهمية للإنسان والمجتمع، إذ لايمكن للإنسان أن يستغني عن عمله واقتصاده، ولا أن يكبل فيه، فكما أن الحرية الشخصية لازمة لطبيعة الإنسان وتكامله، لذلك هي واجبة شرعا يجب أن نمنحها للإنسان.

كذلك حرية العمل والصناعة والتجارة والزراعة أو حرية العقيدة والاجتماع وغيرها، هذه كلها لازمة لطبيعة الإنسان وفطرته سواء كان فردا أو جماعة، كذلك واجبه شرعا، والحرية بوصفها إحدى الحقوق الإنسانية، في كل نظام تؤخذ ولا تعطى، وتبذل في سبيلها الدماء وتقوم من اجلها الثورات. وأما في الإسلام فقد كانت منحه من الله عز وجل، ولم تكن نتيجة مطالبة أو ثورة.  فلا فرق بين حق وحق، وحرية وأخرى.

فالحقوق دين والاعتداء عليها جريمة، وعقوبة المعتدى حدية لامجال فيها للاجتهاد، وأكثر من ذلك اعتبار الكثير من الفقهاء ان هذه الحقوق هي في حقيقتها حقوق الله سبحانه وتعالى، لايجوز تعديلها أو انتهاكها، لان انتهاكها عدوان على دين الله.

إن الإسلام هو النظام الوحيد من بين كل الأنظمة والمذاهب الذي جاء فكراً وتطبيقاً في وقت واحد، وتشريعاً ودولة في نفس اللحظة، فقد ظهر واكتمل ونفذ وطبق في حياة الرسول الأعظم (ص) وأصبح  أيضا حكومة ودولة في حياته المباركة.

والإسلام دين العزة والكرامة والمجد والشرف، دين العلم والإنسانية، والفضيلة الكاملة، ودين الرحمة والإحسان والعطف العام، ودين العدالة الشاملة، وهو الضامن للسعادة الخالدة لنوع الإنسان.

قبل صدور الإعلان العالمي لحقوق الإنسان بأربعة عشر قرناً، وقبل صدور الدستور الأمريكي، وإعلان حقوق الإنسان والمواطن الفرنسي باثني عشر قرناً أشرقت الدنيا بنور الإسلام (القرآن الكريم  وسنة نبينا عليه الصلاة والسلام)، وفيها أن الله خلق الناس شعوبا وقبائل ليتعارفوا، وأن الأكرم هو الأتقى، وأنه -  كما جاء في بعض الأحاديث الشريفة: لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى، وأن الناس متساوون كأسنان المشط، وان خير الناس هو أنفعهم للناس، وأن الناس كما جاء عن سيدنا عمر بن الخطاب رضي الله عنه: ( قد ولدتهم أمهاتهم أحرارا، فليس لأحد أن يستعبدهم أو يستند لهم). هذا بعض ما جاء في الإسلام.

وإذا كان هناك من يدعي بأن الثورة الفرنسية أو الدستور الأمريكي أو هيئة الأمم المتحدة هم من أتوا بحقوق الإنسان فكرة وإيديولوجية وتطبيقا، فان الحقيقة التي لا تخفى أن الإسلام قد أتى بها منذ أربعة عشر قرنا من الزمان.

ومن حق الجميع أن لفكرة حقوق الإنسان أصولها في تراثهم الحضاري ونزعاتهم الإنسانية، فاليونانيون يعدون الفكر المعاصر امتداداً للحضارة الإغريقية وهكذا يفعل الصينيون وكذا حال الهنود وحتى الأفارقة. ولكن للإسلام الأسبقية كدين ذو تشريعات سماوية أقام دولة متكاملة بتطبيقات بشرية.

ففي السنة الأولى للهجرة (622) ومع بداية عهد الدولة الإسلامية أصدر الرسول (ص) صحيفة المدينة التي تعد أول وثيقة لتنظيم الحياة بين المسلمين وغيرهم. كما أن كتاب الإمام علي (ع) إلى عامله  في مصر مالك ابن الأشتر. ورسالة الحقوق للإمام علي بن الحسين زين العابدين (عليهما السلام) كل منهما تُعد وثيقة حقوق إنسان متكاملة ووافية لتنظيم العلاقات الإنسانية كافة.

إن الإسلام هو آخر الأديان السماوية العظيمة، وفية جاءت الحقوق الإنسانية بمدلول واسع لا يمكن أن تحصى، كما لا يمكن أن تمس أو تنتهك، ولا يجوز تفضيل إنسان على آخر.

يمكن أن نقول بأن تاريخ حقوق الإنسان عبارة عن كتاب أبيض الصفحات بدأت كتابته منذ بدأ الخليقة، فكل ثقافات العالم ودياناته وضعت فيه مبادئ راسخة كرست مبدأ احترام الكرامة الإنسانية، وما زال هذا الكتاب لم يطو بعد ولن يطوى إلا بانتهاء الإنسان...

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022