خلال العقدين الماضيين، كانت اسبانيا ترغب في منافسة فرنسا في استقطاب الطلبة المغاربة لتعزيز نفوذها الثقافي وصنع لوبيات المستقبل، لكنها فشلت في هذا المسعى بل أصبحت دول لا يجمعها تاريخ مع المغرب تتجاوز إسبانيا مثل حالة أوكرانيا التي تستقطب سنوياً طلبة أكثر.
وتعتبر إسبانيا البلد الأوروبي الأقرب الى المغرب، وكانت رفقة فرنسا قد استعمرته ما بين سنتي 1912-1956، وهذا الاستعمار ترك وراءه العامل الثقافي بقوة، حيث تحولت اسبانيا ومنذ الأربعينات الى وجهة رئيسية لطلبة شمال المغرب، لاسيما وأن معظم مدن شمال المغرب مثل طنجة وتطوان والناضور فيها مدارس اسبانية.
وسعت اسبانيا الى منافسة فرنسا في التسعينات الى مستوى أنه جرى التفكير في إنشاء جامعة مشتركة تحمل اسم «جامعة الملكين» نسبة الى ملكي البلدين. وخلال زيارة ملك اسبانيا السابق خوان كارلوس الى المغرب سنة 2005 تم التوقيع على مذكرة التأسيس وإنشاء لجنة مشتركة لدراسة هذه الجامعة. وبعد مرور 12 سنة تحول تأسيس الجامعة الى سراب حقيقي مثله مثل مشروع الربط القاري بين القارة الإفريقية والأوروبية عبر مضيق جبل طارق، مع الفارق بين المشروعين، الأول لا يتطلب سوى بضعة ملايين من اليوروات والثاني يتطلب عشرات الملايين.
وعلى الرغم من إقبال عشرات الآلاف من المغاربة على تعلم اللغة الإسبانية سواء في المدارس العمومية أو المراكز الخاصة، لا تستقبل الجامعات الإسبانية عدداً كافياً من الطلبة المغاربة. ويتصدر المغاربة الطلبة الأجانب في فرنسا بأكثر من 36 ألف طالب في الوقت الراهن ويليهم الصينيون، حسب السفير الفرنسي المعتمد في الرباط فرانسوا جيرو في تصريحات له منذ ثلاثة أسابيع. ويتعلق الأمر بطلبة قدموا من المغرب وليس أبناء المهاجرين، بينما العدد ضئيل للغاية في اسبانيا.
ويبقى المثير هو تفوق دول لا تجمعها علاقات تاريخية وثقافية بالمغرب مثل أوكرانيا التي تحولت خلال السنوات الخمس الأخيرة الى وجهة رئيسية للطلبة المغاربة لدراسة الطب والصيدلة والهندسة ضمن تخصصات أخرى. ومما يشجع الطلبة المغاربة الاقبال على أوكرانيا هو جودة التعليم، حيث يعترف المغرب والاتحاد الأوروبي بمعادلة الشواهد الأوكرانية علاوة على الأسعار والرسوم المنخفضة.
ولا تقدم اسبانيا معطيات حقيقية حول الطلبة المغاربة في الجامعات الإسبانية، «القدس العربي» رصدت التراجع المهول لهم خاصة في جامعات تاريخية عريقة مثل غرناطة التي كان بها خلال منتصف التسعينات 70% من مجموع الطلبة المغاربة في هذا البلد الأوروبي، وكان يقدر عددهم بحوالي ألفين.
ومما يعيق التحاق الطلبة المغاربة بجامعات اسبانيا هو سياسة التشدد التي تنهجها التمثيليات البدلوماسية الإسبانية وخاصة في شمال المغرب، وتتعامل بعض القنصليات مع الطلبة وكأنهم لامهاجرين سريين وليس طلبة يرغبون في الدراسة». وفي الوقت ذاته، لم ترق اللغة الإسبانية الى منافسة الفرنسية في المغرب التي تعتبر لغة المال والأعمال والإدارة بينما الإسبانية تقتصر على التدريس ونسبياً السياحة.
ورغم الشعارات التي ترفعها، تستمر اسبانيا بدون بوصلة في استقطاب الطلبة المغاربة لأنها لم تتحول الى قوة ثقافية وأكاديمية جامعية مثل فرنسا وبريطانيا بل وتتفوق عليها الآن دول مثل أوكرانيا. ويردد أكثر من طالب مغربي: لماذا سأدرس في المدرسة الإسبانية أو سأتعلم الإسبانية إذا كنت سأضطر الى الذهاب الى أوكرانيا.
القدس العربي
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022