السلطان الظاهر ركن الدين بيبـرس البندقداري الصالحي بطل مشهور من أبطال الأمة والتاريخ الإسلامي.
ولد عام 1223م (وقيل 1220م وقيل غير ذلك)، وهو من سلالة المماليك البحرية.
ويعتبر السلطان بيبرس المؤسس الحقيقي للدولة المملوكية وهو سلطان الديار المصرية والبلاد الشامية والأقطار الحجازية واستلم حكم الدولة بعد وفاة السلطان سيف الدين قطز عام 1260م، وخطب له في المساجد.
وحسب الروايات التاريخية فإن أصل السلطان بيبرس من آسيا الوسطى تحديدا من قبائل القبجاق أوالكبشاك (الكازاخ)، ولكن ذهب البعض على أن أصله من بلاد القرم، وذكر قلّة أنه من بلاد الشركس (بلاد القفقاس)، ولكن أتفق الجميع على الأصل التركي لبيبرس. وأنه استجلب من بلاد القرم شمال البحر الأسود والتي كانت مصدرا لإستجلاب الرقيق في القرن 13م عبر مرفأي سوداق (سوداك) وكفا (فيادوسيا).
والذي أراه - والله أعلم- أنه من الأتراك القبجاق ولد ونشأ (أو نشأ فقط) في القرم ثم استُرقّ وبيع.
وذكر المؤرخ المقريزي (توفي 1441م) أنه وصل مدينة حماه مع تاجر وبيع للملك المنصور محمد حاكم حماه ثم انتقل لخدمة السلطان الأيوبي الملك الصالح نجم الدين أيوب بالقاهرة، وأعتقه الملك الصالح ومنحه الإمارة فصار أميراً.
وقد كان رحمه الله ضخماً طويلاً ذا شخصية قوية يتصف بالحزم والشجاعة والدهاء، وله صوت جهوري وعينان زرقاوان، واتصف بالكرم وحب الخير لذلك كان محبوبا من العامة، وكان يجل العلماء ويستمع لنصائحهم، وعرف بذكائه الدبلوماسي والعسكري ومباشرته الحروب بنفسه.
أعماله
حقق خلال حياته العديد من الأعمال والإنجازات أهمها:
1- الإنتصار على الصليبين في عدة معارك وفتح العديد من الحصون والمدن وأهم معاركه معهم معركة المنصورة 1250م بقيادة ملك فرنسا لويس التاسع، وكان هذا النصر بمثابة نقطة البداية التي أخذت بعدها الهزائم تتوالى عليهم حتى تم تحرير كامل بلاد الشام من الحكم الصليبي.
2- وانتصر على المغول في عدة معارك أهمها معركة عين جالوت (في شمال فلسطين) 1260م وذلك تحت إمرة الملك سيف الدين قطز، وقد أدت نتائجها إلى انحسار نفوذ المغول في بلاد الشام وخروجهم نهائيا منها، وإيقاف المد المغولي، وذلك بعد أن أسقطوا الخلافة الإسلامية في بغداد عام 1258م.
3- انتصر على مملكة أرمينيا الصغرى، وأنزل به هزيمة منكرة عند حصن دربساك عام 1266م.
4- وقضى أثناء حكمه على الحشاشين في الجبال السورية والذين حاولوا قلب نظام حكمه.
5- انتزع إمارة أنطاكية من الصليبيين عام 1268م.
6- وقضى على التحالف المغولي- السلجوقي في معركة الأبلستين (في آسيا الصغرى) عام 1277م.
7- أحيا خلال حكمه الخلافة العباسية في القاهرة بعدما قضى عليها المغول في بغداد، إذ استجلب المستنصر بالله العباسي عام 1261م وبايعه خليفة للمسلمين.
8- وقد تحالف مع السلطان بركة خان - توفي 1266م وهوحاكم بلاد القرم وشمال القفقاز والبحر الأسود وخوض الفولغا- ضد المغول، وكان لبيبـرس عدد من الزوجات من التتار، ويقال بأنه سمى ابنه بركة تيمنا وحبا بشخصية بركة خان.
9- شهد عهده نهضة معمارية وتعليمية كبيرة حيث عمل على إنشاء العديد من المدارس والمساجد والقناطر في مصر والشام، كالمكتبة الظاهرية في دمشق، وجامع الظاهر بيبرس في القاهرة، وجامع بيبرس في القرم.
وقام بعدد من الإصلاحات والترميمات في بيت المقدس والجامع الأزهر والمسجد النبوي ومسجد ابراهيم في الخليل وقبة الصخرة، ووسّع مسجد الصحابي خالد بن الوليد في حمص.
كما قام بإنشاء الجسور والقناطر والأسوار ونظّم البريد وصك النقود التي حملت صورة "الأسد" شعار دولته، وأعاد بناء القلاع التي هدمها المغول في بلاد الشام مثل قلعة دمشق، قلعة الصلت، قلعة عجلون وغيرها.
مسجد السلطان بيبرس في القرم
والمعلوم من كتب التاريخ أن السلطان بيبرس وقبل وفاته في عام 1277م بعث بالهدايا والمال إلى مدينة "صولحات" (ستاري كريم اليوم)، وذلك لبناء مسجد فيها يحمل اسمه، ولكن البناء اكتمل بعد وفاة السلطان أيام حكم الملك المنصور قلاوون (حكم 1279-1290م) وذلك عام 1288م، و آثار المسجد المهدمة ماتزال إلى الآن.
وقد ذكرالمسجد الرحالة العربي ابن بطوطة (1304-1377م) في رحلته التي بدأها عام 1324م، كما ذكره المؤرخ تقي الدين المقريزي (1356-1441م) في كتبه، ووصفه عدد من الرحالة والكتّاب الروس في القرن الثامن عشر وذلك بأن طوله 20م وعرضه 15م مع منارة في الجهة الشمالية، ونقوش وزخارف على جدرانه السميكة القوية المكسوّه بحجارة المرمر والسقف الداخلي من الخشب.
وقد فسّر الكثير من المؤرخين خطوة بيبرس بأنه أراد تخليد المدينة التي ولد فيها في القرم.
توفي السلطان بيبرس عام 1277م عن عمر 54 سنة،ودفن في دمشق وحكم 17 سنة، وخلفه ابنه السلطان محمد بركة (الملقب السعيد ناصر الدين) حكم لمدة سنتين من عام 1277م، ثم سُلامتش بن بيبرس ( الملقب العادل بدر لدين) حكم عام 1279م ولمدة 100 يوم.
ونظرا لسيرة السلطان بيبرس الحسنة وأعماله الحافلة الكثيرة فقد ألّفت حوله الحكايات والأساطير التي تخلد وتبالغ في انتصاراته وفتوحاته وعدله لتحفظ وتروى في الموروث العربي الشعبي.
ويحق لنا القول بأن السلطان القرمي بيبـرس مع أولاده حكموا مايقارب عشرين سنة، وساهموا في نهضة الحضارة الإسلامية والدفاع عنها ضد الأطماع الأجنبية والمتربصين بها.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022