كيف استغل الاتحاد السوفييتي كارثة تشيرنوبل في أوكرانيا؟

نسخة للطباعة2019.04.20

بشار قصاب

لا شك أن أكبر انفجار نووي خاطئ عرفه كوكب الأرض، جعل الدول ذات الأنشطة النووية تأخد حذرها أكثر في تعاملها مع نشاطاتها. التفاعل الحادث في أوكرانيا أثناء العمل على مفاعل نووي بالقرب من مدينة تشيرنوبل، أطلق في الجو ما يقارب 400 ضعف من النفايات المشعة للقنبلة النووية التي أطلقتها الولايات المتحدة الأمريكية على هيروشيما عام 1945.

وبالنظر إلى رقم الضحايا المعلن عنه من قبل الاتحاد السوفيتي بالآلاف القليلة، أعلنت السلطات الأوكرانية -الجزء من الاتحاد السوفيتي وقتها- أنه حوالي 4000 شخص لقوا حتفهم فيه، لكن هذا العدد كان مختلفا على نحو مريب من قبل منظمة الصحة العالمية التي قدرته وقتها بحوالي 90000 ألف.

طبعا ما بعد حدوث الانفجار ليس كما قبله أبداً، بدأت عمليات دفن وتغليف المفاعل بالخرسانة المسلحة لمنع تسرب الإشعاع الناجم عنه والذي أدى إلى وفاة عدد كبير في السنوات اللاحقة متأثرين بالإشعاع وخاصة أمراض سرطان الغدة الدرقية، إلا أنه في الأعوام الأخيرة لوحظ تشقق في الغلاف الخرساني لذلك هناك دراسات لعمل غلاف جديد أكثر سماكة وأفضل عزلاً، هذا عدا عن ما يسمى الآن "بالغابة الحمراء" التي تم قطع العديد من الأشجار فيها بسبب مستويات الإشعاع العالية التي انتشرت هناك.

وربما كان قيام الاتحاد السوفيتي بالإعلان عن حدوث هذا الانفجار على أراضيه، ثم طلب المعونة من دول العالم، أحد مظاهر التغيير في سياسة الدولة الذي كان تتزعم الكتلة الشيوعية والتي كان لا يكشف عن مثل تلك الأحداث فيها أبداً.

بالصدفة سمعتُ شهادة حية لطبيب تشريح مرضي في سوريا، كان يلقي محاضرته في كلية الطب البشري بجامعة البعث في حمص، يدلي بشهادته حول ما حدث في ذلك الوقت كونه كان أحد أفراد بعثة سورية التي أوفدت إلى الاتحاد السوفيتي في ذلك الوقت.

مهد في بداية المحاضرة بعرض سلايد بسيط فيه اقتباس، "المريض هو المهم وليس المرض" نعم لربما في البداية يبدو الاقتباس جميلا لأن يُقرأ، لكن أجمل لأن يطبق.  

حالما حصلت الكارثة المهولة وقتها تم عزل المنطقة المنكوبة عسكريا ومنع الاقتراب منها والتصوير، بالإضافة إلى حملات إخلاء واسعة النطاق شملت مناطق عدة محيطة بالمكان، وكان لهذا الطبيب أن يتجاوز بسلطته الطبية هذه التحذيرات، فكان له علاقة عن قرب بتبعات ما جرى هنالك.

منطقيا يبدو ما فعله الاتحاد السوفيتي بعد الكارثة صحي وأمني على الأقل، إن لم نُرد أن نعطيه طابع المدح.

لكن ومن زاوية يصعب على الكثيرين أن يروها، هل حقا ما فعله الاتحاد كان حقا لتلك الأغراض أم لنوايا أبعد وأخبث؟ لم يترحم السوفيتي على ضحاياه حالما استملك جثثهم واستعملها حرا كأملاك دولة، دون أن تكون كذبة احتراق جثثهم بالكامل وعدم بقاء سوى الرماد منها، كذبة صعبة لئلا يصدقها ذويهم من اتحاد كان يفعل كل تفصيل صغير في منتهى الحرص والدقة، ومن تلك التفاصيل إرسالها الأطباء الكثر في مهمة التشريح المرضي لتلك الجثث، للوقوف على تأثيرات الأنشطة النووية على خلاياها، وماذا غيرت في الحموض النووية الخاصة بهم، منجزة بذلك ما يمكن تسميته أضخم بحث طبي غير شرعي دوليا حسب الشهادة التي يدليها الطبيب السوري حول ما حدث.

قصة الانفجار بحد ذاتها مرعبة لكن المرعب أكثر أن تنتهز دولة كاملة جثث مواطنيها وتستملكها تحت مسمى بحث علمي غير معلن وغير مشروع بالطبع، وكأنها بدت تنتظر تلك الحادثة كي تحتفظ بمعلومات طبية جديدة تقدمها خطوة عن بقية دول البحث العلمي والطبي، بمعلومات حصرية تحفظها بعيدة عن آذان الطب العالمي.

هنا يمكن الذهاب أبعد من قصة "خطأ" حدوث تفاعل تشيرنوبل والسؤال.. هل كان تفاعل تشيرنول مفتعلا كغاية للقيام ببحوث طبية سرية وبطريقة ما "قانونية" لا يستطيع بها أي أحد أن يدينها دوليا؟ الآن دعنا نرجع للاقتباس الذي عرض في محاضرة الطبيب السوري أحد مشرحي تلك الواقعة.. هل حقا المريض في تشيرنوبل كان أهم من المرض؟

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

الجزيرة

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022