يعيش في إقليم الدونباس شرق أوكرانيا نحو 100 ألف نسمة من تتار "كازان" المسلمين، مشكلين ثاني أكبر تجمع لمسلمين أوكرانيا البالغ عددهم نحو 2 مليون نسمة، بعد مسلمي إقليم شبه جزيرة القرم البالغ نحو 500 ألف نسمة.
ويشير مؤتمر علمي عقد قبل أيام في مدينة دونيتسك إلى أن الوجود الإسلامي بالدونباس يرجع إلى القرن العاشر الميلادي، حيث عثر على آثار مقابر ومساجد تاريخية فيه، وأن أكثر مرحلة تركت أثرا سلبيا على هذا الوجود هي مرحلة الاتحاد السوفيتي السابق.
برنامج "للصهر"
وقد سببت الحقبة السوفيتية ذوبانا شديدا للتتار في المجتمع، والوصف هنا للقائمين على العمل الإسلامي في أوكرانيا والإقليم، ومنهم سعيد إسماعيلوف مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا "أمة".
يفسر إسماعيلوف الذوبان، فيقول إن النظام السوفيتي اعتمد سياسة "صهر التتار"، ضمن برنامج لفصل المواطنين عن انتماءاتهم العرقية والدينية.
ويشير في هذا الصدد إلى أن النظام هدم وأغلق المساجد والمدارس، وشجع زواج التتار من غير المسلمين، كما شجع تسمية المواليد بأسماء روسية، الأمر الذي أدى إلى الذوبان، وانتهى إلى تراجع أعدادهم من 400 إلى ما يقارب 100 ألف نسمة.
وكمؤشر على نتائج "الصهر" يقول إسماعيلوف إن إقبال شبان وشابات تتار على اعتناق الإسلام يتكرر بين حين وآخر، ذلك أنهم عاشوا بعيدين عن الدين والهوية، رغم أنه أسماء بعضهم إسلامية.
بعد مؤلم
ولتتار كازان مع هويتهم قصص وحاكايات مؤلمة، سببها البعد عن الهوية وممارسة تعاليم الدين، ثم نسيان اللغة والكثير من موروث التقاليد والعادات.
أكثر قصة مؤلمة سمعناها كانت من حليمة (82 عاما)، التي اعتنق كل من ابنها "إسلام" وابنتها "إسلامية" المسيحية بسبب ما خلفته الحقبة الماضي من ضعف انتماء وعلم، لتشعر اليوم بالحزن الشديد، محملة نفسها والتاريخ مسؤولية "المصير المأساوي" لولديها.
وتقول تنزيلة أنتيبوفا (35 عاما) إنها كانت في صراع روحي مع ذاتها، استمر حتى سن الرابعة عشرة، بين الانتماء للمسيحية دين أبيها سيرهي، أو للإسلام دين أمها نور، رغم أن كلاهما كانا بعيدين عن الدين والتدين.
حملة متواصلة
وفي إطار السعي على ما يبدو لإحياء هوية تتار كازان، أطلق كل من اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد"، وهو أكبر مؤسسة تعنى بشؤون الإسلام والمسلمين في أوكرانيا، والإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا "أمة"، أطلقا حملة شعارها: "لا تكن آخر المسلمين".
وعنها قال حمزة عيسى رئيس مكتب الاتحاد في الدونباس إنها حملة متواصلة هي الأولى من نوعها، تستهدف جميع فئات العمرية والثقافية "للبعيدين" عن هويتهم وبيئتهم التي طمست معالمها.
ويضيف أن الحملة تهدف إلى "وقف انحدار ما تبقى من الهوية التترية نحو النسيان، وتعزيز التمسك بالإسلام كأبرز إرث تركه الأجداد، والحث على حمل هم المستقبل كمسلمين".
وأشار إلى أن الحملة تشمل جميع مدن وقرى الإقليم، وهي عبارة عن زيارات واجتماعات تجري أسبوعيا إلى البيوت، أو تنظم في المساجد والمدارس، حيث يلعب الأئمة أدوارا كبيرة في تحبيب الدين إلى التتار، وإبراز أهميته كعامل حصانة وفخر، من خلال المحاضرات والمواعظ والمطبوعات، إضافة إلى تعزيز التواصل والبناء عليه.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022