المفكر محمد أسد.. من الغرب الأوكراني إلى الشرق الإسلامي

المفكر محمد أسد.. من الغرب الأوكراني إلى الشرق الإسلامي
أسد: شدت انتباهي القوة الكامنة فى تعاليم الإسلام بعيدا عن حال المسلمين
نسخة للطباعة2013.05.15

كتبها د. أمين القاسم – القرم

لو تأملنا في حياة محمد أسد لوجدنا أنفسنا أمام كاتب وصحفي ومفكر ولغوي وناقد اجتماعي ومصلح ومستشرق ومترجم ودبلوماسي ورحالة مسلم، ترك في مسيرته التي امتدت قرابة القرن افكارا وأعمالا جليلة هي جزء من التاريخ والفكر الإسلامي في القرن العشرين...، فمن هو محمد أسد؟!.

ولد ليوبولد فايس الشهير بعد إسلامه بـ"محمد أسد" في أسرة يهودية متدينة في مدينة لفوف غرب جمهورية أوكرانيا- وكانت تحت حكم الإمبراطورية النمساوية الهنغارية- وذلك عام 1900م، وقد درس في صباه التوراة وعلومها واتقن اللغة العبرية.

انتقل عام 1914م مع أسرته إلى مدينة فيينا حيث درس الفلسفة ثم انتقل للعمل كصحفي، وقد مكنته هذه المهنة من زيارة المشرق العربي فزار القاهرة ثم القدس وبعدها توجه إلى عمان ثم بيروت ثم مشيا على الأقدام وخفية من المستعمر الفرنسي زار دمشق، وتركيا وخلال هذه الفترة تعلم اللغة العربية وقدّم عدة تقارير وحوارات صحفية انتقد فيها الحركة الصهيونية، وبين فيها عدم رضى العرب عن المشروع الصهيوني في المنطقة، ووصف العرب بأنهم: "هم السكان الحقيقيون لهذه البلاد".

عام 1926م اعتنق الإسلام بعد دراسة عميقة له، ثم تبعته زوجته بعد أسابيع وذلك خلال وجوده في ألمانيا، يقول محمد أسد عن اسلامه بأنه دخل في حوار مع بعض المسلمين -عندما كان في أفغانستان- مدافعا ومنافحا عن الإسلام ومحملا المسلمين سبب تخلفهم لإبتعادهم عن دينهم وتعاليمه ليفاجئه أحد المحاورين بقوله: "أنت مسلم، ولكنك لاتدري"...هذه العبارة تركت وقعا في نفسه وهزّت أعماقه لتكون أحد دوافع إسلامه.

أنشطته وأعماله

قام محمد أسد بعد إسلامه بتغيير اسمه، وارتدى اللباس العربي وأتقن اللغة العربية، وانطلق برحلاته الطويلة للعالم الإسلامي في عام 1927م، فزار مصر والسعودية والكويت وايران والعراق وافغانستان وغيرها.

وقام بأداء فريضة الحج ثم أصبح أحد مستشاري الملك عبد العزيز بن سعود.

وقد دعم المقاومة الليبية ضد الاستعمار الإيطالي، والتقى في ليبيا بالمجاهد الكبير عمر المختار،  وذلك بطلب من شيخ السنوسية الشيخ المجاهد السيد أحمد الشريف.

وزار شبه القارة الهندية والتقى الشاعر الإسلامي محمد إقبال وتوثقت علاقته به عام 1932م.

وبسبب نشاطه التحرري تعرض للإعتقال والسجن على يد الإنكليز لمدة ثلاث سنوات ليفرج عنه عام 1945م.

وبعد استقلال دولة باكستان عام 1947م وتقديرا لجهوده منح الجنسية الباكستانية، وعمل في وزارة الخارجية ثم ليصبح مبعوثا لباكستان في الامم المتحدة لمدة عامين ثم ليستقيل بعدها ليتفرّغ للكتابة.

استقر محمد أسد في اسبانيا وفيها توفي في 23 شباط/فبراير من عام 1992م في مقاطعة ملقا، وليدفن في المقبرة الإسلامية في غرناطة، وقد كان يعد الجزء الثاني من مذكراته تحت عنوان "عودة القلب إلى وطنه".

يذكر أنه تزوج ثلات مرات وترك ولدا واحدا من زوجته العربية.

يعتبر محمد أسد أحد أكثر مسلمي أوروبا في القرن العشرين تأثيرا، وحياته سجل من المغامرات، ويعتبر أحد ألمع المفكرين الإسلاميين في العصر الحديث.

أهم كتبه

لقد كتب محمد أسد بالألمانية والإنجليزية والعربية، ومن كتبه:

- الطريق إلى مكة، أو كما يسمى في بعض الترجمات العربية "الطريق إلى الإسلام" كتب فيه سيرة حياته، والغريب أننا نكتشف أننا لا نقرأ سيرة ذاتية بل نقرأ عملاً أدبيأ استطاع بحق أن يصل الى مستوى الكتابة الفاعلة والمؤثرة بلغة أدبية بمنتهى الجمال.

- الإسلام على مفترق الطرق، ويعتبر من أهم كتبه لما حواه من أفكار علمية عالية وقد ألفه في دلهي عام 1934م،

وقد قام بترجمة معاني القرآن الكريم إلى اللغة الإنجليزية وأفنى فيه سبعة عشر عاما.

- مبادئ الدولة في الإسلام.

- شريعتنا هذه.

-ترجمة وتعليقات على صحيح البخاري.

من أقواله في كتابه "الطريق إلى مكة":

"الشريعة الإسلامية تتضمن كل مناحي الحياة، أخلاقية، طبيعية، فردية، إجتماعية، العلاقة بين الجسد والروح والعقل، والجنس، والإقتصاد، كل ذلك جنبا إلى جنب، مع اللاهوت والعبادة، كل أمر من الأمور له وضعه فى تعليمات النبي عليه السلام، ولا شيء يخص الحياة ينظر إليه على أنه تافه ليخرج من دائرة التصور الديني... ليس حتى مثل هذه القضايا الدنيوية، كالتجارة، والميراث، وحق الملكية، وإمتلاك الأراضي".

"رسالة الإسلام أعطت تصورا، ومنحت البشرية حضارة لا مكان فيها للقومية، لا مصالح شخصية، لا طبقية، لا كنيسة، لا كهنة، لا طبقة نبلاء متوارثة، في الحقيقة، لا شيء متوارث على الإطلاق. ومن أهم الميزات في هذه الحضارة... ميزة لم توجد في أي تحركات للإنسان عبر التاريخ... أنها نشأت عن قناعة واتفاق تطوعي بين معتنقيها..."

"ولكن ما شدّ انتباهي، بعيدا عن حالة المسلمين في عهدنا هذا، هو القوة الكامنة فى تعاليم الإسلام نفسه. كان كافيا لي أن أعلم أنه في مدة قصيرة في بداية التاريخ الإسلامي، محاولة ناجحة قد تمت لتطبيق هذا النظام إلى عمل؛ وبالتالي، ما كان ممكنا في وقت من الأوقات، يظل ممكنا في غيره من الأوقات."

يذكر أنه افتتح في وسط فيينا العاصمة النمساوية عام 2008م ساحة تعرف باسم "ساحة محمد أسد" مؤدية إلى مبنى الأمم المتحدة، وذلك دعما للتعايش والتعاون بين الثقافة الأوربية والإسلامية.

لم يكن محمد أسد يساوم في معتقداته، ولم تلن له عزيمة في سبيل بناء صرح الإسلام، ولم يكن يرى في الإسلام الحل فقط لمعضلات المسلمين فحسب بل كان يرى فيه مستقبل البشرية.

رحم الله المفكر محمد أسد وأدخله فسيح جناته، فقد رحل الجسد وبقي الفكر...

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022