بوتين بالغ في تصرفاته مع أوكرانيا

نسخة للطباعة2022.01.24
روبرت غيتس -  مدير المخابرات المركزية الأمريكية (سي آى إيه) السابق - وزير الدفاع الأمريكي السابق

تنتظر أوروبا والولايات المتحدة بفارغ الصبر لمعرفة ما إذا كان الرئيس الروسى فلاديمير بوتين سيصدر الأمر بغزو أوكرانيا أم لا، إذ ظل رجال الدولة والمعلقون الغربيون في حيرة من أمرهم على مدى سنوات بشأن ما قد يدفع بوتين للتحرك.

بعد الغزو الروسي لشبه جزيرة القرم في عام 2014، انتقد وزير الخارجية الأمريكي -آنذاك- جون كيرى موسكو قائلًا إنه "لا يجب التصرف في القرن الحادى والعشرين بطريقة القرن التاسع عشر، وذلك من خلال غزو بلد آخر بذريعة ملفقة بشكل كامل"، فيما وصف آخرون سياسات بوتين العدوانية بأنها "لا يمكن تفسيرها"، ومع ذلك فإننا قد أصبحنا الآن في بداية عام 2022 وننتظر أن يتخذ بوتين القرار.

أعتقد أنه على الرغم من كون أفعال الرئيس الروسى مؤسفة فإنها مفهومة، إذ يعود أصل كل ما يفعله بوتين في الداخل والخارج تقريبًا إلى انهيار الاتحاد السوفييتي في عام 1991، والذي يمثل بالنسبة له انهيار الإمبراطورية الروسية التى تعود إلى أربعة قرون، ومكانة روسيا كقوة عظمى.

فعلى المستوى الداخلي، أدى الانهيار السوفييتي وما تلاه من فترة "الإصلاح" إلى حالة من الفوضى وانعدام القانون والفقر وضعف كبير للحكومة المركزية وذلك على أيدى كل من الأوليغارشية (حكم الأقلية، وهو شكل من أشكال الحكم بحيث تكون السلطة السياسية محصورة بيد فئة صغيرة من المجتمع) والسلطات الإقليمية.

منذ أن أصبح رئيسًا في عام 1999، كانت أهداف بوتين واضحة: استعادة وتوسيع سلطة الحكومة المركزية (ناهيك عن تعزيز هيمنته الشخصية وثروته)، وإعادة موسكو إلى دورها التاريخي كقوة رئيسية، وهو الهدف الذي يمكن وصفه باختصار على النحو التالي: الاستبداد في الداخل والعدوان في الخارج.

وقد بدأت روسيا في استعادة دورها كقوة عظمى بالعودة إلى سياستها التاريخية المتمثلة في إنشاء منطقة عازلة من الدول التابعة على أطرافها، ويظهر تبنى بوتين لهذه الاستراتيجية في أفعاله داخل  بيلاروسيا ومولدوفا وترانسنيستريا وجورجيا والصراع بين أرمينيا وأذربيجان وكازاخستان، والأكثر دراماتيكية في أوكرانيا.

ولكن بوتين ليست لديه رغبة في إعادة إنشاء الاتحاد السوفيتي، فهو لا يريد أن يكون مسؤولا عن مشاكل الجمهوريات السوفييتية السابقة، ولكن ما يريده الرئيس الروسى هو الخنوع، أى أن تكون تلك الدول المستقلة الآن خاضعة لموسكو، وأن تكون حصنًا ضد الغرب والديمقراطية.

ويقول مستشار الأمن القومي الأمريكي السابق، بيغنيو بريجنسكى، إنه لا يمكن أن تكون هناك إمبراطورية روسية بدون أوكرانيا، إذ يخشى بوتين أن تتجه ميول كييف الاقتصادية والسياسية تجاه الغرب وأن تتمتع بعلاقات أمنية أوثق مع الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين في حلف شمال الأطلسي (الناتو)، وذلك حتى لو لم تكن عضوًا في الحلف، حيث يعتبر ذلك خطرًا أمنيًا كبيرًا، كما يرى أنه من الممكن أن يكون نموذجًا اقتصاديًا وسياسيًا جذابًا بشكل متزايد بالنسبة للروس، وهو ما يمثل خنجرا في قلب روسيا.

ويبدو أن بوتين مصمم على اتخاذ أى إجراءات يراها ضرورية، إما لزعزعة الاستقرار وإسقاط الحكومة الحالية ذات التوجه الغربي في أوكرانيا، أو لمحاولة الاستيلاء على البلاد بالقوة العسكرية.

وقد تضمنت جهود الرئيس الروسى لاستعادة موسكو كقوة عظمى تعزيز القدرات العسكرية للبلاد بشكل كبير، فضلًا عن اتباع سياسة خارجية عدوانية، لا سيما في الشرق الأوسط وإفريقيا، فهو يرى الولايات المتحدة على أنها العدو الأساسى، وهو مصمم على بذل كل ما في وسعه لتفاقم التوترات الأمريكية في الداخل، وتعطيل العلاقات مع حلفائنا، وذلك على الرغم من تدخله في شؤونهم الداخلية، وإضعافه موقف الولايات المتحدة دوليًا، ومع هذه المساعي، فإن موسكو تتمتع بشراكة وثيقة على نحو متزايد مع الصينيين.

وعلى الرغم من التقزم الاقتصادى الروسي، والتحديات الديموغرافية ونقاط الضعف الأخرى في الداخل، فإن بوتين قد تعامل مع هذه التحديات بمهارة حتى الآن، إذ تلقى قدرًا كبيرًا من المساعدة غير المقصودة من الولايات المتحدة، وذلك بسبب انقساماتنا الداخلية وما يشبه الشلل في الكونغرس، وانسحابنا من الشرق الأوسط، ومن دورنا القيادي العالمي الذي دام ستة عقود، وخروجنا المخزي من أفغانستان، فكل ذلك دفع العديد من البلدان إلى التحوط في رهاناتها وتطوير علاقات اقتصادية وسياسية وأمنية أوثق مع كل من روسيا والصين.

مشكلة بوتين هي أنه قد بالغ في تصرفاته، وهو ما اعتاد أن يفعله الطغاة، إذ أدت تهديداته العدوانية ضد أوكرانيا إلى تحفيز الناتو وإعادة تأكيد هدفه الواضح، كما جعلت سياسات الأوكرانيين أكثر معاداة لروسيا، ودفعت البلاد إلى أحضان الغرب، ولذا فإن أي عمل عسكرى روسي سينتج عنه مقاومة أوكرانية، بالإضافة إلى انتشار عسكري أكبر لحلف شمال الأطلسي على الحدود الغربية لروسيا، واحتمال تعليق خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2، فضلًا عن فرض عقوبات اقتصادية مؤلمة.

وصحيح أن موسكو قد نشرت حوالى 100 ألف جندي على حدود أوكرانيا، ولكن ماذا بعد. بوتين يجد نفسه في موقف يتم فيه تعريف النجاح الروسي على أنه يتمثل، إما بحدوث تغيير الحكومة في كييف (مع مجىء حكومة متحالفة مع موسكو) أو غزو البلاد.

كما أنه يجب أن يستخدم الرئيس الروسي تلك القوات الموجودة على الحدود قريبًا، أو أنه سيواجه الإذلال بسحبها دون تحقيق أي شيء سوى دفع أوكرانيا إلى الغرب، وفي كلتا الحالتين، فإنه قد وضع نفسه في موقف صعب في الداخل والخارج.

يجب على الولايات المتحدة وحلفائها أن يفعلوا ما في وسعهم لزيادة الصعوبات التي يواجهها بوتين.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

صحيفة "فاينانشيال تايمز" البريطانية - وكالات

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022