جبهة أوكرانيا.. إنذار نهائي من قبل بوتين

نسخة للطباعة2021.12.30
بنيامين زرزور

ليس هناك في ما يدور بين روسيا والغرب على جبهة أوكرانيا ما يبعث على التفاؤل بالتوصل إلى تهدئة، رغم الإعلان رسمياً، عن بدء المفاوضات بين موسكو وواشنطن، خلال أيام، بشأن مخاوف روسيا ومطالبها الأمنية. 

ويجمع المراقبون على أن المطالب الروسية الأخيرة ليست سوى إنذار أخير تقدمت به موسكو لرفع العتب، والحصول على ذريعة تبرر غزوها المتوقع لأوكرانيا التي تقول إن جنود «الناتو» يتجمعون في القسم الشرقي منها، أي إقليم دونباس، ما يزيد من التوتر وسط الحشود العسكرية الروسية قرب الحدود.

يدرك الدبلوماسيون في دوائر صنع القرار الغربية أبعاد هذه المطالب الروسية، حيث قال مسؤول في وزارة الخارجية الأمريكية: «يريدنا بوتين أن نفاوض على رؤوس حلفائنا، وهذا ما لا يمكن لواشنطن أن تقبل به».

وشهد الأسبوع قبل الماضي، تحركاً غير مألوف أقدمت عليه الحكومة الروسية عندما قررت نشر مسودتي معاهدتين، مكتملتين بالمواد واللغة القانونية الرسمية، بشأن الأمن الأوروبي، واحدة بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، والأخرى بين روسيا والولايات المتحدة. 

ولم يسبق أن وضعت روسيا قائمة مطالب محددة في مفاوضاتها مع الولايات المتحدة ودول الغرب في ما يتعلق بقضايا الأمن، أو الأسلحة النووية.ولا تذكر الأعراف الدبلوماسية سابقة بدأت فيها مفاوضات جادة بين دولتين، بصياغة اتفاق من جانب واحد، فضلاً عن نشر نصوص ذلك الاتفاق كاملة.

تجارب التاريخ

من هنا، يبدو تحرك الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، كأنه إنذار نهائي. وغالباً ما تكون الإنذارات، كما نعلم من تجارب التاريخ، ذرائع لشن الحرب، أو ضم الأراضي. 

ولا عجب أن يشعر القادة في واشنطن وبروكسل وكييف بالقلق من أن بوتين لا يريد التفاوض على اتفاقية جديدة بشأن الأمن الأوروبي. بل إن نشر ما يقرب من 200 ألف جندي على الحدود مع أوكرانيا يؤكد أنه ذاهب نحو مزيد من التصعيد في شرقي أوكرانيا.

لكن ماذا لو أراد بوتين حقاً، التحدث عن الأمن الأوروبي؟ إذا كان الأمر كذلك، يجب على قادة الولايات المتحدة وكندا وأوروبا اغتنام الفرصة. 

ونشير هنا إلى أن بعض الاتفاقيات التي تشكل الركائز الكبرى للأمن الأوروبي في الماضي، مثل معاهدة الأسلحة النووية متوسطة المدى، ومعاهدة القوات المسلحة التقليدية في أوروبا، ووثيقة فيينا، وميثاق باريس، ومذكرة بودابست بشأن الضمانات الأمنية لأوكرانيا، ووثيقة هلسنكي النهائية، إما أنها ملغاة، وإما لم تعد تخدم الأغراض التي وضعت من أجلها أصلاً.

مطالب غير ثابتة

ومع ذلك فإن العديد من المطالب الواردة في مسودات المعاهدات التي نشرتها روسيا، مؤخراً، تعتبر مطالب غير ثابتة، وتنتهك الاتفاقات التي وقّعتها موسكو من قبل. 

وعلى سبيل المثال لا الحصر، لا تستطيع القوى العظمى أن تملي على الدول الأخرى أسماء وطبيعة المنظمات متعددة الأطراف، التي تستطيع، أو لا تستطيع الانضمام إليها، وهذا يتعارض مع رغبة موسكو المعلنة في تقييد خيارات أوكرانيا في ما يتعلق بالانضمام إلى المؤسسات الأمنية الأوروبية. 

ويعتبر ذلك انتهاكاً صريحاً لبنود اتفاق هلسنكي النهائي. ومع ذلك، فإن بعض الأفكار الواردة في المعاهدات الروسية تستحق المناقشة، بما في ذلك القيود المفروضة على الأسلحة وعمليات الانتشار والمناورات العسكرية.

ولكن، إذا كانت هناك مفاوضات جادة حول هيكل أمني أوروبي جديد، فيجب على الحكومة الروسية قبول نوعين من التعديلات الودية على مسودة مقترحاتها، هما تغيير قائمة المشاركين، وتوسيع جدول الأعمال.

أولاً، على صعيد قائمة المشاركين، يريد بوتين إعادة عرض اتفاقية يالطا لعام 1945، وهو ما كشفت عنه مقترحاته بشأن معاهدة بين الولايات المتحدة وروسيا، (حتى أنهم يتحدثون في روسيا عن «يالطا 2»)، بحيث تحدد كل من روسيا والولايات المتحدة مناطق نفوذ جديدة لكل منهما على الساحة الأوروبية، في غياب بريطانيا هذه المرة، وهذا غير مقبول لدى الغرب على الإطلاق.

كما يريد بوتين التفاوض على معاهدة ثانية بشأن «الناتو» مع واشنطن وبعض الدول الأوروبية، وهذا أيضاً غير مقبول، حيث لا بد من إشراك جميع الدول الأوروبية في مثل هذه المفاوضات. 

يذكر هنا أن منظمة الأمن والتعاون الأوروبي هي المنظمة التي تضم في عضويتها الولايات المتحدة والأعضاء الآخرين في حلف شمال الأطلسي، وروسيا، وكذلك أوكرانيا وجورجيا ومولدوفا وأرمينيا وأذربيجان. 

وهذا يعني أننا بحاجة إلى إبرام اتفاقية هلسنكي 2، ويالطا 2، بحيث تطمئن البلدان الأصغر في أوروبا الشرقية إلى أن موسكو وواشنطن لن تناقشا قضايا تلك الدول في غياب أي منها.

الأمن الأوروبي

من وجهة نظر الغرب، لا بد أن يتم توسيع قائمة القضايا الأمنية الأوروبية المحددة في المقترحات الروسية، بحيث لا تغفل معالجة الإجراءات والسياسات الروسية التي تقوض الأمن الأوروبي. 

وتصر الولايات المتحدة وحلفاؤها، على أنه من أجل تعزيز الأمن الأوروبي وتعزيز سيادة جميع الدول الأوروبية، يجب أن توافق روسيا على سحب جنودها وأسلحتها من أراضي جمهورية مولدوفا.

ولبدء مفاوضات حقيقية لاستعادة وحدة أراضي جورجيا، يجب على روسيا أن تتخلى عن اعترافها بمنطقتي أوسيتيا الجنوبية وأبخازيا كدولتين مستقلتين.

ولإعادة الالتزام بمجموعة المعاهدات والاتفاقيات والمؤسسات متعددة الأطراف التي ساعدت على تعزيز الأمن الأوروبي في نهاية الحرب العالمية الثانية، يجب على روسيا إعادة شبه جزيرة القرم إلى أوكرانيا، وإنهاء دعم الحركات الانفصالية العنيفة في شرقي البلاد.

ولتعزيز الاستقرار الاستراتيجي في أوروبا، يجب على روسيا إزالة صواريخ «إس إس -26 إسكندر» من كالينينغراد، وجميع مواقع الانتشار الأخرى التي تسمح لهذه الصواريخ عالية الدقة بمهاجمة أهداف أوروبية في دقائق. 

كما يجب على روسيا إزالة جميع الأسلحة النووية التكتيكية من كالينينغراد. ويمكن بعد ذلك أن تبدأ المحادثات حول القيود الجديدة على هذه الأنواع من الأسلحة في جميع أنحاء أوروبا.

وهناك العديد من القضايا الأمنية الأوروبية المهمة التي تحتاج أيضاً إلى اهتمام وتركيز جديد. 

لكن هذه القائمة من التعديلات على مسودة المعاهدات الروسية هي وسيلة فعالة لاختبار ما إذا كان بوتين جاداً في خوض مفاوضات فعلية بشأن هيكل أمني أوروبي جديد، أو ما إذا كان مهتماً فقط بإصدار إنذارات، ومصمماً على رفض كل الاقتراحات، والبحث عن ذريعة للقيام بعمل عسكري موسع ضد أوكرانيا.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

صحيفة "الخليج"

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022