كيف أخفقت قمة بايدن وبوتين حول أوكرانيا؟

نسخة للطباعة2021.12.09
محمد المنشاوي

جاء بيان البيت الأبيض الصادر عن القمة التي جمعت الرئيسين الأميركي جو بايدن والروسي فلاديمير بوتين مشابها لتلك البيانات التي صدرت قبل انعقاد القمة، ما يشير إلى عدم حدوث تقدم في أزمة أوكرانيا التي أصبحت على رأس القضايا الخلافية بين البلدين.

وفي الوقت الذي يجمع فيه الخبراء على تدني مستوى العلاقات بين البلدين لأدنى مستوياتها منذ عقود، لم تحرك رغبة الرئيسين بوتين وبايدن في التعاون من مواقفهما تجاه نقاط الخلاف الرئيسية بينهما.

وجاءت القمة المفترضة مع تزايد قلق العالم الغربي من إقدام روسيا على غزو أوكرانيا، فبالرغم من إنكار روسيا لوجود خطط لغزو أوكرانيا، فإن واشنطن لا يمكنها تجاهل الحشد العسكري الروسي على طول حدودها الغربية مع أوكرانيا، والذي تجاوز 100 ألف جندي.

بيان البيت الأبيض وبيان الكرملين

وكما كان متوقعا، أشار البيان الصادر عن البيت الأبيض عقب انتهاء القمة إلى أن بايدن "أعرب عن المخاوف العميقة للولايات المتحدة وحلفائها الأوروبيين بشأن تصعيد روسيا العسكري في المناطق الحدودية المقابلة لأوكرانيا"، وأن "الولايات المتحدة وحلفاءها سيردون بتدابير اقتصادية قوية وغيرها في حالة التصعيد العسكري".

وكرر الرئيس بايدن دعمه لسيادة أوكرانيا ووحدة أراضيها ودعا إلى خفض التصعيد والعودة إلى الدبلوماسية.

أما البيان الصادر عن الكرملين فأكد على تقديم الرئيس الروسي "أدلة دامغة على النهج الهدام الذي تتبعه كييف، والذي يهدف للنسف الكامل لاتفاقات مينسك والتوافقات التي تم التوصل إليها في إطار رباعية نورماندي، معربا عن قلقه البالغ إزاء استفزازات كييف في دونباس".

وأشار بيان الكرملين إلى أن بايدن ركز على الطابع الخطير لتحركات القوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية، وحدد العقوبات التي ستكون الولايات المتحدة وحلفاؤها مستعدين لفرضها في حال المزيد من التصعيد. وردا على ذلك أكد بوتين أنه "لا ينبغي تحميل روسيا المسؤولية، لأن حلف الناتو هو الذي يتخذ خطوات خطيرة ويحاول الانتشار على الأراضي الأوكرانية ويعزز حشوده على تخوم روسيا".

وتابع "ولذا، فإن موسكو ترنو للحصول على ضمانات مكتوبة بعدم توسع الناتو شرقا وعدم نشر أسلحة ضاربة في الدول المتاخمة لروسيا".

ماذا أراد بايدن وماذا أراد بوتين؟

جاء بايدن إلى القمة للتحذير من أن تكلفة أي غزو روسي للأراضي الأوكرانية ستكون مرتفعة، على أن تشمل هذه الخطوة فرض عقوبات اقتصادية عالية التأثير، وذلك بالتنسيق مع الحلفاء، إضافة لتعزيز الوجود لدعم حلفاء الناتو في دول شرق أوروبا.

في الوقت ذاته جاء بوتين حاملا الكثير من القلق الروسي إزاء احتمال انضمام أوكرانيا إلى حلف شمال الأطلسي، مطالبا بضمانات صارمة من الولايات المتحدة وحلفائها بأن ذلك لن يحدث، حيث يؤمن بوتين بأن توسع حلف الناتو شرقا والاقتراب من الحدود الروسية يعد أمرا غير مقبول.

وترى روسيا نفسها ضعيفة، ولا سيما من جهة الغرب، حيث كان مصدر كل التهديدات التاريخية التي تعرضت لها على مدار تاريخها، والتي جاءت مرورا بأوكرانيا. ويكرر بوتين أن موسكو لا تقع إلا على بعد بضع مئات من الأميال من حدود أوكرانيا، وبالتالي لا يمكن لأوكرانيا أن تدعم علاقاتها العسكرية مع حلف الناتو.

وكرر بوتين خلال اللقاء معارضة روسيا بقوة للتطلعات الأوكرانية للانضمام إلى الناتو، والذي تصفه موسكو بأنه "خط أحمر" من شأنه أن يؤدي إلى الحرب.

لا حل وسط

كتب ماكسيم ساموروكوف -وهو زميل في مؤسسة كارنيغي للسلام الدولي- يقول إن بوتين يكرر مواقفه حول أوكرانيا بوضوح، ويؤكد أنه "مستعد لخوض الحرب للحصول على ما يريد".

ويشير ساموروكوف إلى قول بوتين إنه يريد "اتفاقا يمنع أوكرانيا من الانضمام الى حلف شمال الأطلسي، ووعدا غربيا بعدم نشر بنية عسكرية تحتية متطورة لحلف الناتو في أوكرانيا".

وأكد ساموروكوف أنه "خلال العام الماضي (2020)، اضطر الكرملين إلى إرسال رسائل إلى الولايات المتحدة مفادها أن أوكرانيا تُعد قضية ذات أهمية قصوى لروسيا، وأن صبر روسيا على الوضع الراهن بدأ ينفد، وهي مستعدة لاتخاذ تدابير جذرية لعكس الوضع".

وفي حديث مع الجزيرة نت، أكد أندرو لوسين خبير الشؤون الروسية بمركز السياسات السياسة والإستراتيجية بواشنطن أن الكرملين يدرك أن الخيار العسكري سيلحق تكاليف باهظة باقتصاد روسيا ومكانتها الدولية، لكنه في الوقت ذاته "يريد إقناع الولايات المتحدة باستعداد روسيا لتحمل هذه التكاليف بسبب أهمية أوكرانيا للمصالح الوطنية الروسية".

وقد حذر المسؤولون الأميركيون والأوروبيون وحلف شمال الأطلسي روسيا من أي عدوان عسكري ضد أوكرانيا، وقالوا لموسكو إن ذلك سيكون له عواقب سياسية واقتصادية خطيرة، والتي تخضع بالفعل لعقوبات دولية لضمها شبه جزيرة القرم عام 2014.

نبوءة بريجنسكي

وفي أوائل عام 1994، وصف زبيغنيو بريجنسكي مستشار الأمن القومي الأميركي السابق أوكرانيا القوية والمستقرة بأنها ثقل موازن حاسم لروسيا، وينبغي أن تكون محور اهتمام وتركيز الإستراتيجية الأميركية بعد انتهاء الحرب الباردة، وإذا سيطرت روسيا على أوكرانيا فيمكن لها أن تعيد بناء إمبراطوريتها من جديد.

ويدرك بوتين أن أوكرانيا بمثابة سكين في يد الغرب والولايات المتحدة لاحتواء روسيا وطموحاتها كدولة كبرى.

وبما أن أوكرانيا ليست عضوا في حلف الناتو، فإن واشنطن ودول الحلف ليست ملزمة بالدفاع عنها. وعلى هذا النحو، فإن المدى الذي قد تذهب إليه الولايات المتحدة لحماية أوكرانيا غير مؤكد حتى بعد انتهاء قمة بايدن وبوتين.

وكان بايدن قد أكد في عدة مناسبات أنه يريد إقامة "علاقة أكثر استقرارا ويمكن التنبؤ بها مع روسيا". وفي إعلانها عن عقد القمة، أوضحت المتحدثة الرسمية باسم البيت الأبيض جين ساكي أن هدف بايدن ليس إحداث تحول درامي في العلاقات مع روسيا، بل "استعادة القدرة على التنبؤ والاستقرار للعلاقات بين الولايات المتحدة وروسيا"، ويبدو أن القمة أخفقت في هذه المسعى.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

الجزيرة

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022