من إحياء الهوية إلى ترسيخ المواطنة.. الإعلان في كييف عن تأسيس "مجلس مسلمي أوكرانيا"

من صلاة جمعة سابقة في مسجد المركز الثقافي الإسلامي بالعاصمة كييف
نسخة للطباعة2021.11.24

صفوان جولاق - كييف

أُعلن في العاصمة الأوكرانية كييف عن تأسيس "مجلس مسلمي أوكرانيا"، ليكون بمثابة "منصة جامعة" لمختلف المؤسسات والجمعيات والهيئات الإسلامية وذات الطابع الإسلامي في البلاد، بحسب القائمين على "مبادرة التأسيس".

ومن خلال مؤتمر صحفي في وكالة "أوكر إنفورم" الرسمية، تحدث المبادرون، وهم ممثلو عدة مؤسسات إسلامية ناشطة، عن متغيرات وتحولات فرضت نفسها على طبيعة الوجود والعمل الإسلامي في أوكرانيا، على مدار 30 عاما تلت الاستقلال في 1991.

من إحياء الهوية إلى ترسيخها

ولعل من أبرز هذه "التحولات"، التي ذكرت خلال المؤتمر، انتقال الوجود والعمل الإسلامي من طور إحياء الهوية إلى ترسيخها.

أ. سيران عريفوفالأستاذ سيران عريفوف، وهو رئيس اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد"، أشار إلى أن عودة المسلمين إلى دينهم، خاصة بعد عقود الحكم السوفييتي الذي حرمهم من الدين وتعاليمه، كانت أولوية في البداية، وحتى أواسط العقد الماضي.

وأوضح، في حديث مع الجزيرة نت، أن "معظم النشاطات الثقافية والأعمال الإغاثية الخيرية كانت موجهة في التسعينيات صوب إحياء الهوية والدفع نحو الاعتزاز بها، من خلال تحقيق معاني الرحمة والتكافل والأخوة الإسلامية".

أما اليوم، بحسب عريفوف، "يركز العمل على الجانب التعليمي، من خلال وجود مدارس ومؤسسات تعليمية نظامية، ترسخ الهوية الإسلامية الأوكرانية وتحصنها، وتفعل أدوارها في الوسط المسلم، وفي المجتمع ككل"، على حد قوله.

من الطلاب إلى المحليين

وفي سياق متصل، ينسب عريفوف جزءا كبيرا من ذلك التحول إلى أدوار لعبها الطلاب العرب والمسلمون بادئ الأمر، وحتى انتشار "الوعي" بين المسلمين المحليين، من سكان البلاد الأصليين.

ويقول في هذا الإطار: "أنا قرمي تتري، وحقيقة، لا أعرف بيتا تتريا لم يدخله طلاب مسلمون، بهدف التذكير بالهوية وإحيائها بعد أن ذابت وكادت أن تطمس، ومد يد العون، مهما كان رمزيا".

ويسوق عريفوف (42 عاما) مثالا على ذلك، فيقول: "أذكر جيدا عندما كنت صغيرا، وكنت أسخر من دعواتهم ومصطلحاتهم الدينية، لكني اليوم، وكثيرون غيري، نقدر لأولئك الطلاب الدعاة صبرهم وجهودهم، وفضلهم بإحياء الإسلام في نفوسنا، وبقائنا مسلمين حتى".

يترأس اليوم عريفوف اتحاد "الرائد"، وهو أكبر مؤسسة تعنى بشؤون المسلمين في أوكرانيا، ويقول: "ندرك جيدا أن همّ التعريف بالإسلام والدفاع عنه وخدمة المسلمين بات على عاتقنا نحن، سكان البلاد الأصليين".

وكانت تقدر أعداد المسلمين، قبل احتلال روسيا شبه جزيرة القرم، وسيطرة الانفصاليين على أجزاء واسعة من إقليم دونباس، بنحو 2 مليون نسمة من أصل نحو 42 مليونا، بينما تقدر أعدادهم اليوم بنحو المليون، بحكم أن توزعهم الرئيس على أراضي القرم الدونباس (تتار القرم وتتار كازان).

من "إرهابيين" إلى "وطنيين"

وتطرق المؤتمر إلى فترة عانى خلالها المسلمون الأوكرانيون اتهامات التطرف والإرهاب، بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر في الولايات المتحدة، وفترة لاحقة أصبحوا فيها رمزا للوطنية، بعد أحدث 2014 المحلية.

في حديث مع الجزيرة نت، قال إيهور كوزلوفسكي، وهو خبير في شؤون الأديان، يشغل منصب مستشار وزير الثقافة الأوكراني: "لا أستطيع القول إن مظاهر الإسلاموفوبيا كانت كبيرة في أوكرانيا، وقد لا تقارن مع حجمها في دول أخرى أصلا؛ لكن الأكيد أن النظرة العامة تغيرت سلبا تجاه المسلمين، بسبب الضجة التي سببتها أحداث نيويورك في 2001، وما تبعها من حرب على تنظيم القاعدة آنذاك".

أوليغ ياروشوفي سياق متصل، يقول أوليغ ياروش، رئيس قسم "تاريخ الفلسفات الشرقية" في الأكاديمية الوطنية للعلوم: "يجب أن نقر أن رفض التتار لاحتلال القرم، وتحملهم لاحقا لتبعات هذا الموقف، ثم مشاركة المسلمين إلى جانب غيرهم في حرب الموالين لروسيا والمسلحين الروس على جبهات الشرق، غيرت نظرة المجتمع جذريا نحو الإسلام والمسلمين، وكشفت حقيقة ولاءهم وحبهم للدين والوطن معا".

وذكر في هذه السياق أمثلة لأسماء اعتبر أنها باتت "رموزا" أوكرانية، كاسم الشيخ سعيد إسماعيلوف - مفتي الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا "أمّة"، الذي برز كناشط ضد العدوان الروسي، و"مرشد روحي" في صفوف الجنود المسلمين، بحسب ياروش؛ وأمينة أكويفا، الناشطة التي قاتلت إلى جانب زوجها ضد انفصاليي الشرق، واستشهدت في عملية اغتيال قرب كييف في أكتوبر 2017.

ياروش: إذا مُنح المسلمون العدل والعدالة الاجتماعية، بنوا الحياة والحضارة

وتابع: "أستطيع القول دون مبالغة، أن عامل الحرية الدينية في أوكرانيا يساعد المسلمين على لعب أدوار إيجابية في المجتمع، وأذكر هنا، نقلا عن كتب عربية، مصطلحات "العدل" و"العدالة الاجتماعية"، التي، إذا توفرت، بحسب الكتّاب، ترك المسلمون أثرا كبيرا في الحياة والحضارة".

المرأة إلى جانب الرجل

ويعتبر مسلمو أوكرانيا أن مشاركة المرأة بقوة إلى جانب الرجل تحول لافت في حد ذاته، خاصة وأنه انتقل من النشاط التقليدي إلى التخصصية.

نيارا ماموتوفاحول هذا قالت -للجزيرة نت- نيارا ماموتوفا، رئيسة "اتحاد مسلمات أوكرانيا": "العمل النسائي الإسلامي كان شبه غائب في تسعينيات القرن الماضي، بحكم ضعف الهوية والانشغال بهموم وأعباء الدراسة والأسرة".

وتضيف: "شيئا فشيئا، انتقل هذا العمل إلى طور مؤسسي، من خلال وجود أقسام نسائية في جمعيات مثلا، تعنى بشؤون الأسرة وثقافة المرأة؛ أم اليوم، فلدينا عشرات المؤسسات النسائية المستقلة في شتى المدن، ومؤسسات علمية وحقوقية تخصصية، نحاور من خلالها الدولة، ونخاطب المرأة والمجتمع على نطاق أوسع".

وذكرت في هذا السياق كيف تمكنت مسلمات أوكرانيا من إقرار حق التصوير بالحجاب للوثائق الرسمية في يناير 2019، اعتمادا على مؤسساتها، وعلى القضاء.

ميثاق مسلمي أوكرانيا

ويعتبر المشاركون بمؤتمر التأسيس، أن "ميثاق مسلمي أوكرانيا" يعتبر أساسا جامعا للوحدة تحت ظل "مجلس مسلمي أوكرانيا"، ومرجعية تدعم الوحدة والعمل المشترك، وتحقق المواطنة.

بافلو فيدوسوفيقول بافلو فيدوسوف، وهو مدير المركز الثقافي الإسلامي في مدينة دنيبرو: "الميثاق الموقع في 2016 رسم خارطة طريق تتجاوز عقبات الاختلاف بين مكونات المجتمع المسلم في أوكرانيا، وحدد مبادئ دينية ووطنية، لكي لا نكون عرضة لأي تأثير داخلي أو خارجي، ولكي يمارس المسلمون المواطنة بحق، من خلال معرفة الحقوق وأداء الواجبات".

فيدوسوف: مجلس مسلمي أوكرانيا منصة لتطبيق ما جاء في ميثاقهم عام 2016

وقال: "إذا كان في ميثاق الأمس خارطة ترسم الطريق، وتلزمنا أمام الله والمسلمين والوطن بمبادئ وأخلاق معينة، فإن المجلس منصة لتحويل الميثاق من النظرية إلى التطبيق، وتعزيز وحدة عشرات المؤسسات والجمعيات في أوكرانيا، حول عمل ناجح بنتائج أفضل".

تحديات الحاضر والمستقبل

وعند السؤال عن استشراف المستقبل، يتطرق مؤسسو مجلس مسلمي أوكرانيا إلى التحديات، التي يرون أنها كانت ولا تزال وستبقى، وإن خفت أو اشتدت من حين إلى آخر.

يقول أ. سيران عريفوف: "حال أمتنا ينعكس علينا، ويمسنا من السوء ما يمس الكثير من المسلمين حول العالم، من تشويه ومحاولات إقصاء وما شابه". 

وتابع: "للأسف، ربما يكون ذلك التحدي الخارجي أشد علينا من التحديات التقليدية والمحلية الأخرى، وحتى من الحرب، التي خسر مسلمو أوكرانيا بسببها عشرات المراكز والمؤسسات التعليمية والتخصصية، ودفعت الكثير منهم إلى النزوح، أو أدت بهم إلى الاعتقال".

ويختم عريفوف بالقول: "نطمح من خلال مجلس مسلمي أوكرانيا إلى مرحلة جديدة، يكون فيها المسلمون إخوة واعين ومتحدين، وجزءا أكثر تأثيرا في حماية البلاد وعلاج هموم المجتمع، جنبا إلى جنب مع شركائنا فيه، من غير المسلمين"، على حد قوله.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

الجزيرة

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022