د. أمين القاسم - باحث في تاريخ المنطقة
عبد الرشيد إبراهيم أو إبراهيموف (1857-1944م): داعية ومفكر ورحالة وناشط سياسي، ولد في مدينة تارا بسيبيريا عام 1857م في أسرة متدينة من أصل بخاري والده عمر بك والدته عفيفة خانم من بشكيريا، درس الإسلام في إحدى مدارس كازاخستان ثم توجه عام 1879م إلى المدينة المنورة ومكث فيها 5 سنوات، والتقى هناك بالإمام شامل الداغستاني (1797-1871م)، ثم رجع إلى روسيا عام 1885م، حيث تزوج وبدأ رحلته لتعليم ونشر الإسلام، وتعرض لمضايقات السلطات القيصرية الروسية لأكثر من مرة اضطرته للتنقل والسفر، كما التقى بجمال الدين الأفغاني خلال إقامته في روسيا بين عامي (1887-1889م).
في عام 1891م تم تعيينه قاضيا شرعيا في المحكمة الشرعية بمدينة أورفا، ثم وكيلا للإفتاء في الإدارة الدينية لمسلمي أورينبورغ سرعان ما تعرض للمضايقة ثم أجبرته الحكومة الروسية على الإستقالة، اضطر بعدها للسفر إلى اسطنبول حيث أصدر كتابه"نجمة تشولبان" حول آلية عمل الإدارة الدينية، وقد عرض فيه لأوضاع المسلمين في روسيا القيصرية وما يتعرضون فيها من ظلم.
بدأ بسلسلة رحلات عام 1896م بدأها برحلة إلى بخارى حيث حث أهلها على المطالبة بحقوقهم ثم اسطنبول وعدد من الدول العربية والأوروبية.
أصدر عام 1900 مجلة باسم "مرآة" في مدينة سان بطرسبورغ خلال زيارة سرية لها.
سافر الشيخ عام 1903م داعية إلى الإسلام في أراضي اليابان، وقدر أرسل رسالة للسلطان عبد الحميد طالبا منه المساعدة في نشر الإسلام في اليابان.
رجع الشيخ عبد الرشيد لإسطنبول عام 1904م، وهناك اعتقل الشيخ في نفس العام بناء على طلب من القنصلية الروسية لأن روسيا كانت على عداء مع اليابان التي توجه إليها الشيخ، تم نقله عبر البحر سجينا إلى أوديسا ليطلق سراحه بعد عام.
عاد الشيخ إلى سان بطرسبورغ، وأسس مطبعة لنشر الكتب الإسلامية، كما أصدر هناك مجلة "ألفت" عام 1905م، وقد أصدر منها 85 عددا قبل أن تغلقها السلطات الروسية، وأصدر مجلة "تلميذ" بلغة العربية وقد صدر منها 30 عددا، وباللغة التترية أصدر مجلة "شيركه"، وعدد واحد من مجلة"نجات" عام 1907م.
الشيخ عبد الرشيد أحد المشاركين في عام 1905م في الجهود لعقد مؤتمر عام لمسلمي روسيا، والذي سعى لتوحيد جهود مسلمي روسيا والنهوض بأوضاعهم العلمية والإقتصادية والسياسية، ولبحث مطالبهم ومشاكلهم.
عاد الشيخ عبد الرشيد إلى اليابان عام 1908م، وعاش فيها، وأسس جمعية في طوكيو، وعقد علاقات طيبة مع العديد من النشطاء والسياسيين اليابانيين وأسلم على يديه عدد من اليابانيين، وزار جنوب كوريا عام 1909م. كما زار منغوليا ومنشوريا والصين ثم كوريا والملايو وسنغافورة والهند وجزيرة العرب ومنها بالقطار العثماني إلى بلاد الشام، ومن بيروت غادر بحرا إلى اسطنبول.
في تركيا نشط بين مسلمي روسيا، وحصل على الجنسية العثمانية، والتقى بعدد من الأدباء الأتراك مثل نامق كمال (1840-1888م)، وأحمد وفيق باشا (1823-1891م)، ومعلم ناجي (1850- 1893م)، والشاعر التركي محمد عاكف آرصوي (1873- 1936م)، والذي كتب عن ابراهيموف ملحمة شعرية تقع في 1003 بيت بعنوان (من فوق منبر السليمانية)، وأصدر بالتعاون مع أحد الصحفيين الأتراك عام 1910م مجلة أسبوعية تحمل اسم "تعارف المسلمين".
كان عبد الرشيد إبراهيم أفندي يكتب ما يشاهده في رحلاته ويرسله لجريدة "بيان الحق " التي يصدرها ابنه في "قازان"، ولجريدة "الصراط المستقيم" الصادرة في اسطنبول وغيرها من الصحف والمجلات، وكانت أول مقالة في جريدة "الصراط المستقيم" التي يرأس تحريرها محمد عاكف تحمل اسم "رسائل اليابان" يطلب فيها تأليف الشيخ عبد الرشيد إصدار كتاب يرد على كتاب وزّعه المبشرون النصارى في اليابان وألمانيا ومليئ بالافتراءات على الرسول صلى الله عليه وسلم ليتم توزيعه في اليابان.
شارك الشيخ مع الليبيين والعثمانيين في حرب طرابلس ضد الطليان عام 1912م. وبعد عودته لإسطنبول أصدر مجلة اسمها "دنيا الإسلام" عام 1912م.
كما شارك في تأسيس لجنة "حماية الأقوام التركية المسلمة في روسيا "، وذهب مع أعضاء الجمعية في زيارات رسمية إلى بودابست وصوفيا وفيينا وشرح الظلم الذي تتعرض له المجتمعات المسلمة في روسيا. وخلال رحلته إلى ألمانيا التقى بالأسرى المسلمين الروس الذين أسرتهم ألمانيا خلال الحرب.
وتذكر المصادر الروسية بأن عبد الرشيد ابراهيم أراد تشكيل فرقة عسكرية من المسلمين تحت قيادة ألمانيا لمحاربة الإستعمار البريطاني في الدول الإسلامية، وأصدر في برلين نشرة تحت عنوان "الجهاد الإسلامي"، وتذكر المصادر التركية بأنه زار سويسرا بهدف فتح مكتب للدفاع عن حقوق مسلمي روسيا.
رجع إلى روسيا وعاش فيها عامان 1922-1923م، وتوجه بعدها إلى تركستان حيث قاتل إلى جانب حركة "بصمتشي" ضد الشيوعية، وعاش في مكة بين عامي 1930 -1931م.
عاد لليابان عام 1938م، وأصبح الممثل الرسمي للمسلمين أمام الحكومة اليابانية، وإمام مسجد طوكيو، ومن آثاره أن اعترفت اليابان عام 1939م بالدين الإسلامي، وتعتبره المصادر التركية أول من نشر الإسلام في اليابان، توفي -رحمه الله- في اليابان في 17 أغسطس عام 1944م عن عمر ناهز 76 سنة ودفن في مقابر المسلمين بالقرب من طوكيو تاركا عددا من تلاميذه اليابانيين ليكملوا مسيرة نشر الإسلام.
ترك الشيخ عدة كتب منها: "عالم إسلام" أي العالم الإسلامي طبع عام 1329هـ في تركيا في مجلد كبير، الذي يصف فيه رحلاته ويعطي تقريرا علميا دقيقا عن الأوضاع السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية في كل البلدان التي زارها، وقد نشر هذا الكتاب المجلس الأعلى للثقافة في مصر في مجلد واحد تحت عنوان " العالم الإسلامي في أوائل القرن العشرين". وقام د. صالح مهدي السامرائي بإعادة إصدار كتابين من كتبه: "العالم الإسلامي في رحلات عبد الرشيد ابراهيم" عام 2011م، وكتاب: "حياتي أول رحلاته إلى الحجاز" عام 2014م، وكتاب "الدين الفطري"، وكتاب "محاكمة الضمير وميزان الإنصاف" الصدار في بطرسبورغ عام 1906م وغيرها.
كان الشيخ عبد الرشيد يحمل أفكار تجديدية إصلاحية إسلامية، ويدعو إلى فكرة "الوحدة الإسلامية"، وكان يؤمن بأن التعليم هو السبيل لوحدة المسلمين وتقدمهم، وقد بذل جهودا كبيرة لتبليغ الإسلام بين رجال الدولة اليابانيين، وأقام علاقات صداقة مع عدد من المسؤولين اليابانيين.
بدأ الشيخ عبد الرشيد بناء مسجد طوكيو عام 1934م بمساعدة أبناء الجالية المسلمة في اليابان، والذي اكتمل تشييده عام 1938م وانتخب أول إمام له.
يقول الشيخ عبد الرشيد ابراهيم: "أما بالنسبة لي فإني اعتقد وأقبل بفكرة خدمة أمتي وديني، وإني أتصدى منذ ثلاثين عامًا لمجابهة كل بلية وأتحمل كل مشقة مرددًا، أمتي أمتي، ولا زلت أرددها وسأبقى على العهد ما حييت ديني الإسلام وملتي ملة الإسلام {وَجَاهِدُوا فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمِينَ مِنْ قَبْلُ وَفِي هَذَا لِيَكُونَ الرَّسُولُ شَهِيدًا عَلَيْكُمْ وَتَكُونُوا شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ} سورة الحج الآية 78.
و أنا بفطرتي وطبيعتي سلكت طريق خدمة الحياة الإسلامية التي اعتبرها حياتي القومية، وتحملت في سبيلها كل المشاق، وضحيت بأهلي وأبنائي، ولم أتردد في التمسك بالوسائل المناسبة لصد أعداء الإسلام وجالدت الأعداء بلساني وقلمي، واضطررت أحيانًا لمقارعة أدعياء الإسلام حتى أن بعض من يحملون صفة علماء الإسلام وصل بهم الأمر إلى أن يتهموني بالكفر. لم تبق لديهم تهمة أو فرية ألا و ألصقوها بي . و لكن ولله الحمد لم يساورني اليأس، فثبت على الطريق وزاد اشتياقي، وعملت بآيات القرآن الكريم في كل أمر واجهني".
توفي -رحمه الله- في أغسطس من عام 1944م، ودفن في المقبرة الإسلامية بطوكيو.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".
أوكرانيا برس
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022