زيلينسكي يبحث عن ضمانات تجنب أوكرانيا مصير أفغانستان

نسخة للطباعة2021.09.02
فلاديسلاف دافيدزون - عضو المجلس الأطلسي في واشنطن - متخصص في شؤون شرق أوروبا

مُثقَلا بمخاوف من كون بلاده الحليف القادم الذي تتركه الولايات المتحدة لمصيره بعد أفغانستان، جلس الرئيس الأوكراني، فولوديمير زيلينسكي، الأربعاء، للمرة الأولى أمام نظيره الأمريكي، جوزيف بايدن، في البيت الأبيض، آملا في إصلاح علاقات تضررت بشدة خلال حكم دونالد ترامب، وزادها بايدن توترا بالتراجع عن دعم موقف كييف في أحد أكثر ملفات السياسة الخارجية حساسية بالنسبة لها.

في يوليو الماضي، أعلنت الولايات المتحدة للمرة الأولى التراجع عن موقفها الرافض لاستكمال مشروع خط أنابيب الغاز الذي يربط روسيا بألمانيا عبر بحر البلطيق "نورد ستريم 2"، وذلك بعدما توصلت مع برلين إلى اتفاق ألغت واشنطن بموجبه معظم العقوبات المرتبطة بالمشروع والتي طالب بها الكونجرس، بحجة أنه لم يعد بالإمكان وقفه بعد إنجاز 98% منه، وأنه من الأفضل التعاون مع ألمانيا.

لاقى المشروع معارضة شديدة من أوكرانيا التي تحارب الانفصاليين الموالين لموسكو منذ 2014، على أساس تخوفها من مصاعب اقتصادية ستواجهها البلاد بمجرد توقف موسكو (بعد تشغيل "نورد ستريم 2") عن دفع مليارات الدولارات لكييف سنويا مقابل استخدام خطوط الأنابيب الأوكرانية لشحن الغاز إلى دول الاتحاد الأوروبي، وخطورة استخدام تلك الورقة من جانب موسكو للضغط على الأوكرانيين، الذين لم تُهدّئ من مخاوفهم، تعهدات واشنطن وبرلين بفرض عقوبات على روسيا حال استخدمت نقل الغاز كسلاح ضد أوكرانيا وسعي اتفاقهما لتمديد عمليات عبور الغاز الروسي عبر أوكرانيا، والتعهد بدعم مشروعات الطاقة النظيفة.

ودفعت تلك المخاوف الإدارة الأمريكية للاستجابة أخيرا لمطالبات زيلينسكي المتكررة بزيارة البيت الأبيض منذ جاء إلى السلطة قبل عامين ونصف، والتي لم يستجب لها ترامب حتى غادر البيت الأبيض.

لا تشكل أزمة "نورد ستريم 2" أكبر المخاوف التي حملها زيلينسكي معه إلى واشنطن، ولكن القضية الأولى في أذهان الكثيرين في كييف هي الانسحاب من أفغانستان، وما يحمله من إشارات للعلاقات الأمنية المستقبلية مع الولايات المتحدة"، رغم "خطورة" ملف خطوط الغاز.

الانسحاب الأمريكي "الفاشل" من أفغانستان يمثل "فشلا مبكرا وربما حرِجا" للسياسة الخارجية لبايدن، الذي انتُخب على أساس كونه يمثل تراجعا عن سياسة الانعزالية التي انتهجها سلفه ترامب نحو سياسة خارجية أكثر نضجا"، كما يدفع الانسحاب الحلفاء المعتمدين بشكل كبير على الولايات المتحدة إلى التساؤل عما إذا كانت أفغانستان ستكون حالة فريدة أم سيتخلى الأمريكيون عن التزامات نحو حلفاء محاصرين بشكل مشابه.

ثمة مخاوف في كييف من أن تتنصل الولايات المتحدة من التزامات ثانوية تجاه حلفائها من أجل تخفيف التوتر مع روسيا، في الوقت الذي يركز فيه الأمريكيون على تنافسهم مع الصين الصاعدة بقوة، والتي باتت تمثل التهديد الأكبر للولايات المتحدة، وفق ما يؤكد الأمريكيون.

ما يعزز تلك المخاوف إبداء الرئيس الأمريكي موقف مسالم فيما يخص أزمة أوكرانيا، يتنافى مع خطاباته خلال حملته الانتخابية، ومع ما أبداه خلال فترته كنائب للرئيس الأسبق باراك أوباما.

المشككون في التزام واشنطن تجاه كييف يشيرون إلى قمة بايدن الأخيرة مع بوتين، والتغير الكامل في الموقف الأمريكي من "نورد ستريم 2"، فضلا عن الاستجابة الضعيفة نسبيا لمطالب أوكرانيا بالانضمام إلى حلف الناتو.

يتجلى بُعد آخر من أبعاد التشكك الأوكراني في موقف واشنطن، وتحديدا في تركيز الأخيرة على ملف مكافحة الفساد في أوكرانيا، إذ يعتبرها العديد من النشطاء الأوكرانيين ذريعة أمريكية لتحويل أجندتها والحوار مع كييف بعيدا عن المخاوف الأمنية لكييف، والقلق الذي يسيطر على البلاد جراء النزاع مع روسيا. 

رغم نفي الولايات المتحدة ربطها الملف الأمني بملف الفساد، ينزعج كثير من الأوكرانيين من "النبرة الأخلاقية" في خطاب واشنطن، لا سيما وأن كييف تبذل جهودا "ثابتة وملحوظة" في هذا الملف، وإن لم ينتهي ذلك إلى النتائج المرجوة بعد.

لذلك السبب، عمّقت لغة بايدن في تبرير الانسحاب من أفغانستان - وما تبعه من استيلاء طالبان على الحكم - بإلقاء اللوم على الأفغان لفشلهم في الدفاع عن أنفسهم من مخاوف الأوكرانيين.

في قمة بايدن مع زيلينسكي "فرصة هائلة" للدبلوماسية الأمريكية، كونها تعد بلقاء مهم رمزيا وجوهريا بين الزعيمين، وستمثّل اختبارا حقيقيا لما إذا كانت الولايات المتحدة ستعاود منح الأولية لالتزاماتها السابقة تجاه أوكرانيا، أو أن ثمة سبب واقعي لدى الأوكرانيين للقلق.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

فورين بوليسي - الشروق

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022