لهذه الأسباب.. فلاديمير بوتين لا يريد السلام مع أوكرانيا

نسخة للطباعة2021.04.06
بيتر ديكنسون - خبير متخصص بالشأن الأوكراني في المجلس الأطلسي

عندما فاز فولوديمير زيلينسكي بالرئاسة الأوكرانية قبل عامين، كان انتخابه مدينا بالكثير لوعود إنهاء الحرب غير المعلنة مع روسيا. 

أعرب العديد من مؤيدي زيلينسكي عن أملهم بأن السياسي الكاريزمي قادر على تجاوز العداء الذي سمم العلاقات الثنائية منذ عام 2014، والتوصل إلى تسوية تفاوضية مع فلاديمير بوتين. يبدو -بالتأكيد- أن هذا الدور قد انتهى.

قبل دخول السياسة، كانت العديد من مشاريع زيلينسكي التلفزيونية والسينمائية موجهة في المقام الأول نحو السوق الروسية المربحة، وقد قضى شخصيا جزءا كبيرا من حياته العملية في روسيا يتعاون مع زملائه الروس. 

بعبارة أخرى، بدا أن نظرة زيلينسكي للعالم والأنشطة المهنية تؤكد مزاعم الكرملين بشأن المكان الطبيعي لأوكرانيا داخل العالم الروسي الأوسع.

هذه الخلفية تجعل تصرفات زيلينسكي الأخيرة أكثر إثارة للدهشة. في الأشهر القليلة الأولى من عام 2021، أغلق الرئيس الأوكراني ثلاث قنوات تلفزيونية أوكرانية مرتبطة بالكرملين، وفرض عقوبات على أقرب حلفاء فلاديمير بوتين في أوكرانيا، فيكتور ميدفيدتشوك.

كما استهدف أعضاء البرلمان الموالين لروسيا داخل حزبه البرلماني واعتمد لهجة أكثر حدة بشكل ملحوظ في تصريحاته العلنية حول العدوان الروسي وطموحات أوكرانيا الأوروبية الأطلسية.

ما وراء تحول زيلينسكي؟

الجواب باختصار هو أنه أدرك في وقت متأخر عدم جدوى البحث عن أرضية مشتركة مع الكرملين.

خلال السنة والنصف الأولى من رئاسته، قدم زيلينسكي العديد من التنازلات لموسكو. شملت هذه انسحاب القوات الأوكرانية من المواقع الاستراتيجية الرئيسية على طول الخطوط الأمامية في شرق أوكرانيا، واتخاذ تدابير تحد من قدرة الجيش الأوكراني على الرد على الهجمات الروسية. 

في الوقت نفسه، حاول بوعي خفض حدة التوترات، من خلال استخدام لغة غامضة وملطفة لوصف الصراع. وفي كثير من الأحيان، كان هذا يعني تجنب ذكر روسيا سلبيا.

اختارت روسيا عدم الرد بالمثل على هذه الإيماءات الحسنة. بل على العكس من ذلك، اتخذ الكرملين عددا من الخطوات منذ انتخابات زيلينسكي في أبريل 2019، جعلت من احتمالات السلام أكثر بعدا.

رفضت روسيا رفضاً قاطعاً الدعوات إلى مراجعة اتفاقات مينسك، واعترضت مرارا وتكرارا على محاولات تحديد موعد قمة ثانية لرباعية النورماندي بين القادة الأوكرانيين والروس والألمان والفرنسيين، لمتابعة ما تمخض عنه اجتماع باريس في ديسمبر 2019. 

وفي الأشهر الأخيرة، منعت موسكو أيضاً فعليا عمل مجموعة الاتصال الثلاثية، التي تسعى إلى تنسيق تفاصيل الحل الدبلوماسي للنزاع. 

طوال هذه الفترة، حافظت وسائل الإعلام الروسية التي يسيطر عليها الكرملين على قرع طبول حرب لا هوادة فيها، مليئة بالتضليل و الدعاية الشرسة المناهضة لأوكرانيا.

كان قرار موسكو بتوزيع جوازات سفر روسية على الأوكرانيين المقيمين في شرق أوكرانيا المحتلة هو المثال الوحيد الأكثر فظاعة على استمرار عداء الكرملين. 

تهدف هذه السياسة، التي تم الكشف عنها لأول مرة في الأيام التي تلت مباشرة انتصار زيلينسكي في الانتخابات، إلى تحويل المناطق الخاضعة حاليا لسيطرة الكرملين إلى حاميات جوازات سفر روسية طويلة الأجل. 

من خلال منح الجنسية الروسية لمئات الآلاف من السكان الأوكرانيين المحليين، خفضت موسكو بشكل كبير من فرص إعادة هذه المناطق إلى السيطرة الأوكرانية الكاملة.

نجحت تصرفات روسيا في إقناع زيلينسكي بأن هجومه السحري لا طائل منه، وأجبرته على إلقاء ثقله الكامل على الخيار الأوروبي الأطلسي لأوكرانيا. لقد تعلم درسا قاسيا مفاده أن فلاديمير بوتن ببساطة لا يريد السلام مع أوكرانيا.

بوتين يخشى العدوى

يدرك بوتن تماماً أن الديمقراطية الأوكرانية ستثبت أنها معدية للغاية إذا نجحت، وستؤدي قريبا إلى سقوط نظامه الاستبدادي. 

لا يزال مسكونا بشبح الموجة المؤيدة للديمقراطية، التي اجتاحت أوروبا الوسطى السوفييتية في أواخر الثمانينيات، ويدرك أن انشقاق أوكرانيا وتحولها نحو الغرب قد يشعل بسهولة شرارة عملية مماثلة داخل روسيا نفسها. 

هذا هو الدافع الرئيسي وراء قرار بوتين باستخدام القوة في عام 2014، ولا يزال العقبة الرئيسية أمام السلام.

التوصل إلى تسوية مع أوكرانيا سيترتب عليه سحب الوجود العسكري الروسي الكبير وغير المشروع من شرق البلد. 

بعد سنوات من الإنكار الشامل، من شأن هذا التراجع أن يكشف حجم الحرب السرية التي شنتها روسيا، وأن يُحطم ما تبقى من المصداقية الدولية للكرملين.

خسارة أوكرانيا

بمجرد أن تتمكن السلطات الأوكرانية والمجتمع الدولي من الوصول إلى المناطق المحتلة سابقاً في شرق أوكرانيا، من المرجح أن تجد موسكو نفسها متهمة بارتكاب جرائم حرب، وتضطر إلى الإجابة على جميع أنواع الأسئلة المحرجة.

تأتي الأسئلة الأكثر صعوبة على الإطلاق من الجبهة الداخلية، حيث يتعين على بوتين أن يشرح لماذا انتهت فترة أكثر من ثلاثمائة عام من الهيمنة الروسية على أوكرانيا. 

حتى اليوم، لا يتقبل كثير من الروس حقيقة  الاستقلال الأوكراني بالكامل، ويفضلون اعتبار انفصال البلاد عن روسيا الحديثة بمثابة حادث من حوادث التاريخ. 

أدت الحرب الجارية إلى تأجيل أي حسابات رسمية بشأن انهيار النفوذ الروسي في أوكرانيا، وسمحت أيضا لبوتين بإلقاء اللوم محليا وخارجيا على مسؤولي الداخل والقوى العالمية.

ولكن، إذا تم الاتفاق على السلام في نهاية المطاف، فإن حقيقة خروج أوكرانيا من المدار الروسي ومواصلة اندماج البلاد في أوروبا ـ الأطلسية ستصبح قريبا أمرا لا مفر منه. 

من منظور بوتن، هذا يعني أن التوصل إلى سلام مع أوكرانيا يعادل الاعتراف بخسارة أوكرانيا. وهذا ليس نوع الإرث الذي يسعى إليه الحاكم الروسي لنفسه.

على مدى العامين الماضيين، أدى فشل جهود زيلينسكي لتحقيق السلام إلى تبديد أي أوهام عالقة حول إمكانية المساومة مع الكرملين. وبدلاً من ذلك، أُجبرت أوكرانيا وشركاؤها الدوليون على قبول حتمية المواجهة المطولة.

عندما انتخب لأول مرة، كان منتقدو زيلينسكي يخشون أن يؤدي تعاطفه "المزعوم" مع روسيا إلى مصالحة كارثية مع روسيا وفقاً لشروط الكرملين. وبدلاً من ذلك، كان زيلينسكي نفسه مضطرا -في وقت لاحق- للاعتراف بأن روسيا عدو عنيد. 

تبدو رئاسة زيلينسكي تأكيدا نهائيا على "الطلاق الجيوسياسي" بين البلدين.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

أوكرانيا برس - Atlantic Council

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022