جهود الطلاب المسلمين في خدمة القرآن الكريم بأوكرانيا

حلقة تحفيظ القرآن الكريم يديرها الطالب الحافظ علاء المحتسب رحمه الله تعالى
نسخة للطباعة2021.01.11

د. أمين القاسم - باحث في تاريخ المنطقة

اهتمت الشعوب المسلمة في أوكرانيا منذ القرن الرابع عشر بالقرآن وعلومه، وظل القرآن الكريم وعلى مدار قرون يشكل الحصانة الروحية والدعامة الأساسية للحفاظ على الهوية الإسلامية وثوابتها لدى تتار القرم الذين عاشوا في مناطق جنوب أوكرانيا.

حرص المسلمون على تلاوة وحفظ ونشر وخط المصحف الشريف جيلاً بعد جيل، كما أنشأ المسلمون في أوكرانيا الكتاتيب والمدارس الشرعية، وطبع تتار القرم المصحف الشريف نهاية القرن التاسع عشر في مدينة بغجه سراي بالقرم. لكن مع تسلط الحكم الشيوعي في القرن العشرين على أوكرانيا حورب القرآن وأهله، وأصبح تعلم أو حيازة المصحف الشريف جريمة تعرض صاحبها للعقاب.

ومع استقلال أوكرانيا عام 1991م بدأ المسلمون في شرق وجنوب أوكرانيا بالإقبال على كتاب الله وتدارسه، وزاد إقبال المهتدين الأوكران إلى الإسلام، وهنا ظهرت عوائق عديدة في تسعينيات القرن العشرين أهمها ندرة وجود المعلمين من التتار المسلمين، وقلة نسخ المصحف الشريف وترجمات معانيه.

لذلك ندب الطلبة العرب -الدارسون في الجامعات أوكرانية- أنفسهم لمهمة تعليم القرآن الكريم وربط المسلمين بكتاب ربهم وتنوير بصائرهم به وتعظيمه في نفوسهم، وذلك بحكم معرفتهم باللغة الروسية التي يتحدث بها كل من تتار القرم وتتار قازان والشعوب الأخرى من الأذر والطاجيك والقوقازيين وأتراك المسخيت الذين يعيشون على الأراضي الأوكرانية.

وبدأ العمل بهذه المهمة تدريجياً من خلال الخطوات التالية: حلقات تعليم القرآن الكريم في قرى المسلمين، ثم تنظيم مسابقات لحفظ القرآن الكريم، تبعها تأسيس معهد متخصص لتحفيظ القرآن الكريم، وأخيرا إنشاء مؤسسة خاصة تعنى بتعليم وحفظ القرآن الكريم.

ورافق هذا كله إقامة مخيم قرآني سنوي، والعمل على استجلاب آلاف النسخ من المصحف الشريف وتوزيعها على المسلمين، ثم العمل على ترجمة وطباعة معاني القرآن الكريم للغة الأوكرانية، وابتعاث طلبة من أوكرانية لدراسة وإتقان حفظهم للقرآن الكريم والحصول على شهادات علمية في ذلك.

وسنستعرض في هذه المقالة لبعض الأنشطة والأعمال التي أخذها على عاتقهم الطلاب المسلمين في أوكرانيا لخدمة كتاب الله: 

1- حلقات تعليم القرآن الكريم

كانت انطلاقة هذه الحلقات بشكل دوري في عام 1993م، في قرى المسلمين بشبه جزيرة القرم ثم إقليم الدونباس بإدارة عدد من الطلاب العرب، وكان شعارها حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه".

أقيمت هذه الدروس والحلقات التعليمية -والتي ضمت ما بين 5 إلى 10 طلبة- في أيام العطل الأسبوعية (السبت والأحد) وخلال العطلة الصيفية، وغالبا ما كانت في بيوت الأئمة والطلاب أو المساجد، وبرنامج هذه المدارس يهتم بتعليم الصغار والكبار والشيوخ ذكوراً وإناثاً قراءة وأحكام تلاوة وحفظ القرآن الكريم، وأركان الإيمان والإسلام وكيفية الصلاة وبعض الآداب والأخلاق في الإسلام، وذلك بإمكانات بسيطة من خلال الإستعانة ببعض الكتيبات والأشرطة.

2- مسابقات حفظ القرآن الكريم

قام اتحاد المنظمات الإجتماعية- الرائد بعد تأسيسه عام 1997م بالاهتمام بالقرآن الكريم والعناية بحفظه وتجويده وتفسيره، لذا ومن باب تشجيع أبناء المسلمين في أوكرانيا من شباب وناشئة على الإقبال على القرآن الكريم حفظاً وعناية وتدبراً، نظم الإتحاد أول مسابقة لحفظ القرآن الكريم في أوكرانيا بتاريخ 12 نوفمبر من عام 1999م في الجامع الكبير بمدينة سيمفروبل عاصمة القرم شارك فيها 50 متسابقا. ثم تتالت المسابقات السنوية على مستوى الدولة حتى يومنا هذا. وكان لهذه المسابقات أثر جيد في إبراز القدرات المتميزة ومكامن الإبداع لدى حفاظ القرآن الكريم في أوكرانيا، وإعداد حفّاظ القرآن للمشاركة في المسابقات الدولية.

لقد دأبت جمعيات اتحاد الرائد في المدن الأوكرانية ومنذ تأسيسها على تنظيم المسابقات والإختبارات القرآنية للمسلمين المحليين الكبار والصغار من الذكور والإناث، وكذلك الطلبة المقيمين على الأراضي الأوكرانية.

كانت المسابقات تقام بجهود ذاتية وأحيانا بالتعاون مع بعض المؤسسات ذات الإهتمام المشترك، حتى تكللت هذه الجهود بمسابقة دولية على مستوى رابطة الدول المستقلة أقامها الرائد في سيمفروبل بالقرم في الفترة ما بين 24-26 أوكتوبر من عام 2010م تحت رعاية صاحبة السمو الدكتورة سعاد الصباح من دولة الكويت، وبدعم من الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية، وإشراف الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم في المملكة العربية السعودية، وقد شارك في المسابقة 35 متسابقا من 11 دولة.

تشهد المسابقة القرآنية الأوكرانية السنوية إقبالاً  واهتماما كبيرا من طلبة العلم والمراكز والمساجد في أوكرانيا، ويزيد عدد المشاركين فيها عن المئة.

3- معهد "الرضوان" لتحفيظ القرآن الكريم (2002- 2014م)

في خطوة جديدة بغرض مأسسة العمل القرآني في أوكرانيا، قام اتحاد الرائد بتأسيس معهد "الرضوان" لتحفيظ القرآن بالتعاون مع الهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم (الهيئة العالمية للكتاب والسنة حاليا)، وعُدّ أول مركز قرآني تخصصي في أوكرانيا يعنى بتعليم وتحفيظ القرآن الكريم، وتربية النشء المسلم وتلقينه ليكون به عالما عاملا بكتاب الله.

افتتح المعهد رسميا في 16 ديسمبر من عام 2002م بحضور الشيخ الدكتور عبد الله بصفر الأمين العام للهيئة العالمية لتحفيظ القرآن الكريم، وعدد من الشخصيات الرسمية والمؤثرة في القرم. والمعهد عبارة عن مدرسة داخلية نظامية تستوعب فيها 25 طالب، ويحفظ الطالب في مدة 3-4 سنوات القرآن الكريم، إضافة الى دراسة مبادئ الإسلام والعقيدة والسيرة المطهرة.

أهداف المعهد:

  • إيجاد المحضن التربوي الصالح لجيل الشباب المسلم في أوكرانيا.
  • انتقاء النشء المتميز وتأهيله وتطويره في منهج علمي متخصص.
  • تربية النشء على الفهم السليم للإسلام والعقيدة الصحيحة والسلوك القويم.
  • تخريج كوادر للمستقبل من الشباب المسلم لكي يكونوا قادرين على حمل الأعباء الدعوية.
  • تخريج جيل من الدعاة والأئمة ومعلمي القرآن الكريم، سليم الفكر ويراعي ظروف الواقع.

قام على إدارة معهد الرضوان كادر إداري وتدريسي متخصص بالتعاون بين اتحاد المنظمات الاجتماعية "الرائد" والإدارة الدينية لمسلمي شبه جزيرة القرم، وقد تخرج منه خلال 12 سنة عشرات الحفظة والأئمة والدعاة. وقد اضطر المركز للتوقف عن العمل بعد أحداث 2014م التي عصفت بالقرم وانتقال السلطة فيه إلى روسيا.

4- الهيئة الأوكرانية لتعليم القرآن الكريم

بعد انتشار رقعة الإهتمام بالقرآن الكريم بين المسلمين المحليين والجالية المسلمة في أوكرانيا في عدد من المدن، ارتقى اتحاد الرائد عام 2016م لتسجيل وتأسيس مؤسسة قرآنية رسمية تخصصية أوكرانية تعنى بتعليم وتحفيظ ومراجعة القرآن الكريم لكافة الفئات العمرية من الجنسين، عبر فتح حلقات قرآنية يومية وأسبوعية في فروعها المنتشرة في المراكز الإسلامية بأوكرانيا، وإعادة هيكلة وضبط النظام التعليمي القرآني، كما تهدف الهيئة من خلال فريق عمل متخصص للإرتقاء بمستوى الحفّاظ وحصولهم على إجازة معتمدة في حفظ وتلاوة القرآن الكريم، والتواصل مع كافة فئات المجتمع المسلم من خلال أنشطة مختلفة لخدمة كتاب الله عزّ وجل، واليوم يشرف على إدارة وعمل الهيئة عدد من الشباب الأوكران من خريجي معهد الرضوان لتحفيظ القرآن الكريم.

لقد كان للجهود المباركة التي قدمها الطلبة المسلمون في اوكرانيا بالتوازي مع جهود بعض المؤسسات التركية الأثر الكبير في توعية المسلمين في أوكرانيا بأهمية حفظ ودراسة القرآن الكريم، والإسهام الكبير في نقل المستوى التعليمي القرآني إلى مستوى الريادة، عبر توفير بيئة محفزة للعطاء والإبداع، طاعة لله تعالى وإسهاماً في بناء الهوية الحضارية لمسلمي أوكرانيا.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

أوكرانيا برس

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022