5 أسباب للفوز.. لماذا لا تتوقف الاحتجاجات في روسيا وبيلاروسيا؟

نسخة للطباعة2020.10.26
أندري زوبوف - مؤرخ روسي ومحلل سياسي - دكتور في العلوم التاريخية

تأمل المجموعات المتسلطة لا شرعيا على الدول في مينسك وخاباروفسك، وفي كل مكان من دول الاتحاد السوفيتي السابق،أن يجري الاعتراف بها وبسلطتها، كما كان الحال مع البلاشفة، وأن يعتبروا رؤساء ووزراء وجنرالات ورجال أعمال "حقيقيين". 

هم يرون أن حركة الاحتجاجات تتصاعد ضدهم، وأن الحرائق تندلع تارة هنا وتارة هناك. مع ذلك ما زالوا يأملون في أن يمل الناس أو أن يخافوا وأن يتعبوا فيعود الهدوء والسكينة من جديد.

سارقين ممتلكات الناس ومزورين الانتخابات، سمموا علنا أو زجوا في السجون القلائل الناضجين، في حين أن الأغلبية ستظل تفتح وتغلق جفونها أمام شاشة التلفزيون، مصدقة المروجين للسلطات ذوي الأجر العالي.

ولكن هذا لم يعد موجودا بعد الآن لا في بيلاروس ولا في خاباروفسك ولا في كوشتاو ولا في أرصفة فلاديفوستوك ولا في بيشكيك ولا في أي مكان.

أجل، قد يتعب الناس من الاحتجاج، لكن آراءهم لن تتغير من جراء ذلك. بل على العكس تماما. هم يدركون جيدا أن اللصوص الذين استولوا على السلطة لن يتخلوا عنها بسلام، سيدفع هذا الناس للبحث عن طرق أخرى للنضال، والمبادرة في أيديهم.

قد تترك الاحتجاجات لوقت ما الشوارع وتنتقل إلى البيوت لتعود إلى الساحات بعشرة أضعاف فور وهن  لصوص السلطة أو ارتكابهم خطأ، في حين أن  السخط سيخفض أعداد المدافعين عن النظام. 

من الطبيعي أن يدافع مسؤولو الأمن عن الدولة، ولكن  هل سيقفون للدفاع عن زمرة قطاع الطرق التي يكرهها الشعب؟

ما مراهنة السلطات على تنفيس الاحتجاجات إلا خداع تعيس للذات، حيث ستدرك أعداد أكبر من المواطنين حقيقة السلطات الحالية، كما ولن تكون الأنظمة في وقت قريب قادرة على حشد العدد الكافي من المتواطئين للدفاع عنها. سيختفي الجميع تقريبا بهدوء أمام نظرة ازدراء جيرانهم ومواطنيهم وزملائهم.

ولكن لماذا لم يختفوا في العهد البلشفي؟. لقد كانت هناك مجموعة كاملة من العوامل الفريدة...

أولا، روّج البلاشفة كذبا للفكرة الشعبية حول العدالة الاجتماعية في مجتمع عانى من الظلم الاجتماعي الطويل الأمد، لذا تبعهم الكثيرون. عن أي نوع من العدالة الاجتماعية يمكن أن يتحدث الحاليون؟ إلى ما سيرتكزون؟ إلى نافالني مثلا؟

ثانيا، راح البلاشفة في المرحلة الأولى يتقاسمون مع الجزء الأعظم من الشعب، الأراضي للفلاحين وما شابه ذلك. انخدع الكثيرون ووقعوا في فخ المشاركة في السرقة. أما هؤلاء فلم يتقاسموا مع الناس فقط، بل وكانوا مستعدين لأن يأخذوا آخر ما بقي لدى الناس المسروقة. وبالتالي ولدوا الكراهية الجماعية تجاههم.

ثالثًا، شكّل البلاشفة هياكل سلطتهم من الذين شاركوا في دوامة القتل. في الوقت الحاضر، ليس هناك  وجود أعداد كبيرة من أصحاب السوابق أو أخوة الدم، كما وأنه لا يوجد مئات الآلاف من القتلى على أيدي العاملين في اللجنة الطارئة. كتلة القوة الحالية، على عكس البلاشفة، لا تتحلى بالموثوقية وتستمد قوتها من الحنين إلى الماضي العائد إلى قبل مئة عام، وليس من أمل الحصول على حياة سعيدة في المستقبل تحت رعاية زعيم حكيم.

رابعا، قلائل هم الذين يعتبرون أن القادة الحاليين أنصاف آلهة حكماء، فحتى أعوانهم يعتبرونهم زعماء عصابة، ويمكن تغيير زعماء العصابات بسهولة.

خامسا، لقد ألغى الإنترنت من حيث المبدأ احتكار الحقيقة. ولقد بيع الستار الحديدي في التسعينيات مع الأسلاك النحاسية والآلات العالية الدقة كخرضة. حيث يمكن لكل شخص الآن الحصول على أية معلومات يريدها. الثورات اليوم تصنع ليس بواسطة المنشورات وإنما بواسطة قنوات التلغرام. 

وبالتالي ليس لدى قطّاع الطرق المتسلطين عمليا أسلحة ضدهم؛ لأن الشباب الذين يعيشون في عالم التقنيات الرقمية يقفون كلهم ضدهم، في حين ما زال بإمكان سولوفيوف أن يخدع المتقدمين في السن. ولكن ما مدى قدرة المتقدمين في السن الريفيين، المحرومين من المعاشات والطبابة وغيرها من الأمور الجديرة بالإهتمام؟

إن أمل السلطات في تراجع الاحتجاجات هو خداع هزيل للذات. حتى ولو خرج إلى الساحات عشرات الأشخاص بدلا من مئات الآلاف، لن يغير شيئا من الناحية الاستراتيجية. فالذين بقوا في منازلهم لم يغيروا أفكارهم ولم يضيعوا كراهيتهم للطغاة واحترامهم لذاتهم. هم بقوا في المنازل فقط، لو تحدثنا بلغة الفدائيين، في الخط الخلفي وسوف يعودون بالتأكيد وسوف يحضرون رفاقهم عندما يحين الوقت.

وهذه اللحظة ستأتي قريبا وليس هناك أدنى شك في ذلك. السلطة، التي لا يثق بها أحد ولا يحبها أحد، لا يمكنها أن تبقى لمدة طويلة.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

أوكرانيا برس

موقع "نوفا فريميا"

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022