الذكرى 120 لميلاد المفكر محمد أسد (1900-1992م).. ماذا قدّم مسلمو أوكرانيا لفكره؟

نسخة للطباعة2020.07.01

د. أمين القاسم - باحث في تاريخ المنطقة

"لم يكن الذي جَذبني للإسلام تعليماً خاصاً من التعاليم، بل ذلك البناء المجموع العجيب والمتراص بما لا نستطيع له تفسيراً من تلك التعاليم الأخلاقية، بالإضافة إلى منهاج الحياة العملية. ولا أستطيع اليوم أن أقول أيّ النواحي قد استهوتني أكثر من غيرها، فإن الإسلام، على ما يبدو لي، بناء تام الصنعة، وكل أجزائه قد صيغت ليتمم بعضها بعضاً، ويشيد بعضها بعضاً، فليس هناك شيء لا حاجة إليه، وليس هناك نقص في شيء، فنتج عن ذلك كله ائتلاف مرصوص. ولعل هذا الشعور من أن جميع ما في الإسلام من تعاليم وفرائض (قد وضعت في مواضعها) هو الذي كان له أقوى الأثر في نفسي". من كتاب: "الإسلام على مفترق الطرق".

محمد أسد (ليوبولد فايس) ولد في مدينة (ليمبرغ) لفيف اليوم في غرب أوكرانيا في أسرة يهودية، وعاش فيها حتى الرابعة عشر من عمره، وقد أسلم عام 1926م. يُعرف بأنه كاتب وصحفي ومفكر ولغوي وناقد اجتماعي ومصلح ومترجم ودبلوماسي ورحالة مسلم، درس الفلسفة في جامعة فيينا؛ وعمل مراسلاً صحفياً، وعاش في السعودية وباكستان والمغرب، وبعد منحه الجنسية الباكستانية تولى عدة مناصب أهمها مبعوث باكستان إلى الأمم المتحدة في نيويورك، وطاف العالم، ثم استقر في إسبانيا وتوفي ودفن في غرناطة.

وقد أثرى المكتبة الإسلامية بالعديد من المؤلفات الهامة التي تعكس فكره وانتمائه لهذه الأمة منها سيرته الذاتية "الطريق إلى مكة"، وترجمة معاني القرآن الكريم وصحيح البخاري إلى اللغة الإنكليزية، و"الإسلام على مفترق الطرق"و "منهاج الإسلام في الحكم"،  هذا وتعد كتبه من أفضل المداخل الغربية للإسلام.

حسب بعض الباحثين يُعد محمد أسد أحد أشهر مسلمي أوروبا في القرن العشرين، وأكثر مسلمي أوروبا تأثيرا في العالم.

جانب من أفكار وفلسفة محمد أسد:

· الإسلام دين كامل وشامل لجميع جوانب الحياة، يقول عن الإسلام في كتابه منهاج الإسلام في الحكم: "إنهُ منهاج كامل للعقيدة والقيم الأخلاقية، إنّه نظرية اجتماعية شاملة، ودعوة إلى الإستقامة والإعتدال في كلّ الأمور الشخصية والعامة، إنّه أيديولوجية تامّة، فكل مظاهر الحياة، الأدبية منها والمادية، الروحية والعقلية، الفردية والإجتماعية، كلٌّ لا يتجزأ".

· الإسلام دين التوازن بين المادي والروحي يقول رحمه الله: " إن الإسلام يطالب بإيجاد المجتمع الصالح، لا في نظرته الخلقية للحياة فحسب، ولكن في مظاهر العمل كذلك، مجتمع لا يوفر المطالب الروحية وحدها لأفراده، ولكن يوفر حاجاتهم المعاشية أيضا".

· الإسلام دين عملي يربط بين النظرية والعمل يقول أسد في كتابه الإسلام على مفترق الطرق: "الإسلام ليس عقيدة صوفية ولا هو فلسفة، ولكنه نهج من الحياة حسب قوانين الطبيعة التي سنها الله لخلقه، وما عمله الأسمى سوى التوفيق التام بين الوجهتين الروحية والمادية في الحياة الإنسانية".

· الإسلام دين المرونة في التشريع: قال محمد أسد في منهاج الإسلام في الحكم بعد أن أكد على المبادئ الأساسية الثابتة في الشريعة: " إن الشارع أراد منا -نحن المسلمين- أن نقوم بأنفسنا بوضع التشريعات الإضافية الضرورية عن طريق اجتهادنا، أي عن طريق التحليل العقلي المستقل، بشرط أن يكون منسجماً مع روح الإسلام وغاياته".

· الإسلام دين التقدم:  يقول أسد عن الإسلام "دعوة خالدة إلى التقدم المطّرد في كافة نواحي الحياة، الفكرية والروحية والسياسية، على حد سواء".

· الإسلام يحمل حضارية سامية: قال رحمه الله: "إن دفع الظلم عن الناس، وإقامة معالم العدل في الأرض، هي الغاية النهائية التي تستهدفها رسالة الإسلام الإجتماعية".

وأكد في موضع آخر على "أن الاخلاق في الإسلام، وخصوصاً في إدراكها للسلوك الإجتماعي والشخصي، وللعدل والحرية، إنما هي أكثر سموا وأحسن كمالاً من المدنية الغربية..".

ماذا قدّم مسلمو أوكرانيا لفكر محمد أسد؟

مسلمو أوكرانيا من خلال مؤسساتهم ومفكريهم اهتموا بفكر محمد أسد إيمانا منهم بأهمية  التفاعل الحضاري والحوار ومد جسور التعاون مع الغرب، وكون محمد أسد ولد وعاش شطرا من عمره في أوكرانيا.

عقد اتحاد المنظمات الإجتماعيّة "الرائد" بالتعاون مع "جامعة ستافروبيهيون" في مدينة لفيف طاولة مستديرة بتاريخ 17 كانون الاول/ ديسمبر عام 2010م  بعنوان: " أثمن هدية أوروبا للعالم الإسلامي..اللفوفي: محمد أسد.. مفكر إسلامي بارز" شارك فيها عدد من المستشرقين وأساتذة الجامعات من مدينتي كييف ولفيف بهدف التعرف ودراسة حياة وتجربة محمد أسد، وقد اتفق المشاركون في الندوة على تكثيف الجهود في أوكرانيا لدراسة التراث العلمي والفكري لمحمد أسد باعتباره ولد وترعرع في الأراضي الأوكرانية، وكذلك الإستفادة من التجربة الحضارية التي رسمها من خلال حياته وفكره بين الشرق الإسلامي والغرب الأوروبي.

وفي حدث هام على مستوى أوكرانيا قامت الإدارة الدينية لمسلمي أوكرانيا "أمة" بافتتاح مركز "محمد أسد" الثقافي الإسلامي في مدينة لفيف بغرب أوكرانيا في 5 حزيران/ يونيو عام 2015م يحمل إسمه، يضم مصلى ومكتبة وقاعات لتعليم اللغة العربية والثقافة الشرقية. ومن أهداف المركز إضافة إلى إقامة الشعائر الإسلامية، التعريف بالثقافة الإسلامية المتصفة بالوسطية والاعتدال في المجتمع الأوكراني، وبناء جسور التواصل بين المسلمين وغير المسلمين.

كذلك نظّم اتحاد المنظمات الإجتماعيّة "الرائد" بالتعاون مع الأكاديمية الوطنية الأوكرانية للعلوم مؤتمراً دولياً بعنوان: "أهمية الموروث الحضاري والفكري لمحمد أسد في عالمنا المعاصر" بتاريخ 16 أيار/ مايو 2013 في مدينة كييف وبحضور  عدد من المفكرين وسفراء دول إسلامية سلط الضوء على جوانب من إسهامات محمد أسد في المجالين الفكري والسياسي.

وأقام المركز الأوكراني للدراسات الإسلامية في مدينة كييف عام 2016م ندوة بمناسبة مرور 90 عاما على إسلام محمد أسد، وفي العام التالي أصدر المركز كتيب عن حياة وأعمال محمد أسد عُرض في "مدرسة المستشرقين السادسة" وهي فعالية التي يقيمها مركز الدراسات كل عام في أوكرانيا.

وعن المركز الأوكراني للدراسات الإسلامية صدرت لأول مرة ثلاث كتب له، مترجمة للغة الأوكرانية: الطريق إلى مكة عام 2018، عودة الروح عام 2019، الشرق الرومانسي عام 2020، وقُدمت عروض تعريفية حول هذه الكتب في جامعات ومعارض كتب في مدينتي كييف ولفيف.

كذلك أطلق شباب من اتحاد الرائد والمركز الأوكراني للدراسات الإسلامية صفحة تعريفية باللغة الأوكرانية على الفيس بوك حول حياة وأعمال محمد أسد هذا رابطها:

https://www.facebook.com/muhammad.asad.ua/

وبمناسبة مرور 120 عام على ميلاد محمد أسد والذي يوافق يوم 2 تموز/يوليو يرعى مركز "محمد أسد" الثقافي الإسلامي في مدينة لفيف وبالتعاون مع المركز الأوكراني للدراسات الإسلامية بمدينة كييف ومركز الدراسات الإسلامية بجامعة أوستروغ والمعهد العالمي للفكر الإسلامي بأمريكا مسابقة علمية للعلماء والباحثين بعنوان " مُوحد الشرق والغرب: محمد أسد (1900-1992م)" .

قدم المشاركون بحوث علمية عن جوانب من سيرة محمد أسد وتفاصيل أعماله، ودراسات حول كتبه ومقالاته، وإنجازاته في مجال العمل الدبلوماسي، وميزات تغطياته الصحفية للشرق الإسلامي.

كذلك تقيم هذه الجهات في نفس التاريخ وضمن فعاليات "مدرسة المستشرقين التاسعة" ندورة علمية عبر تطبيق الزووم حول تراث محمد أسد يشارك بها عدد من الباحثين والمختصين من أوكرانيا وخارجها.

إن تجربة محمد أسد الرائدة ما تزال ملهمة للكثير من مسلمي أوروبا، هذا وستبقى جهوده وآراؤه العلمية والعملية بحاجة إلى المزيد من الدراسة والتحليل وخاصة دفاعه عن قضايا العالم الإسلامي، ونظرته الفلسفية للعلاقة بين الشرق والغرب، والرد على المستشرقين، والموقف من الحضارة الغربية وقضايا الحكم في الإسلام وغيرها.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022