ستالين والحرب

جوزيف ستالين
نسخة للطباعة2020.05.17

 إيهور تشوبايس - فيلسوف وعالم اجتماع روسي

يترافق شهر مايو عندنا دائما بحمى شيطنة الانتصار. في هذا الوقت، قلما يتحدثون عن المعاناة الهائلة التي لحقت بالشعب بينما تزداد محاولات تقديم ديكتاتور روسيا على أنه "صانع النصر".

من مهام الباحثين المستقلين تدمير الأساطير ومساعدتنا جميعا على استرجاع الذاكرة.

كيف ولماذا أطلق ستالين عنان الحرب؟

بعد استيلاء البلاشفة على السلطة، طرحوا شعار "الثورة العالمية". ولكن بعد أن نظموا مرارا وفشلوا في إنجاح "الثورات" في ألمانيا  وبولندا  وفنلندا وبلغاريا والمجر وتركيا، إلخ، أدركوا أنه لا يمكن بلشفة أوروبا. 

ولتحقيق أهدافهم يجب اللجوء إلى الحرب وتشكيل نظام مشابه للنظام السوفيتي في الدول المهزومة. لذا، اكتسب شعار "الثورة العالمية" الذي بقي بعد عام 1920 معنى جديدا. وراح البلاشفة يعززون قواهم ليشنوا حربا عالمية.

هناك حجة أخرى لصالح الحرب مرتبطة بأحد شعارات الدعاية السوفيتية. دار في الاتحاد السوفيتي نقاش طويل "حول إمكانية بناء الاشتراكية في بلد واحد فقط". اختبأت خلف الصيغة النظرية المجردة الجافة مشكلة واقعية حادة. مدركين  حجم العنف غير المسبوق المنفذ في القرن العشرين، والمرتبط بإنشاء والحفاظ على السلطة البلشفية، خشي قادتها من المساءلة ومن أن العالم الحر أجمع سيحاربهم.

والحل الأمثل في إضرام حرب كبرى. البلاشفة، كما هو معلوم، دائما "حاربوا من أجل العالم"، من أجله كله!.

مرت السنوات، وبحلول النصف الثاني من الثلاثينيات تشكل توازن القوى الأمثل بالنسبة للكرملين في أوروبا. والرايخ المسحوق بسلام فرساي، حلم بالانتقام والاستيلاء على أوروبا، ولكنه لم يكن قادرا على تحقيق ذلك دون حلفاء. هنا أخذ ستالين على عاتقه المساعدة وفق شروط محددة.

البروتوكول الموقع سرا في 23 آب/أغسطس من عام 1939 يمنح ستالين فنلندا وإستونيا ولاتفيا وليتوانيا وشرق بولندا و بيسارابيا. تحدث نص البروتوكول صراحة عن "إعادة التنظيم الإقليمي السياسي" لأوروبا. 

بعد أيام قليلة من توقيع البروتوكول، أطلق هتلر وستالين العنان للحرب العالمية الثانية. وليس من المستغرب أن يدّعي القادة السوفييت على مدى 50 عاما أنه لم يكن هناك وجود لأي بروتوكول. ولكن في عام 1989، نشر نصه رسميا عندنا وأعلن أنه غير مقبول سياسيا وغير أخلاقي.

كارثة اندلاع الحرب - جريمة ستالين المميزة

التاريخ الرسمي لا يقيّم مأساة السنة الأولى من الحرب. بحلول حزيران/يونيو من عام 1941، تجاوز عدد أفراد الجيش الأحمر مع الاحتياطي بكثير قوات الفيرماخت. تفوق الجيش الأحمر على جيش الرايخ بعدد المدافع والدبابات والطائرات بحوالي 6 أو 10 مرات. 

فقدت جميع هذه المعدات تقريبا، بالإضافة إلى مستودعات الذخيرة الاستراتيجية المنشورة بالقرب من حدود الدولة، في الأيام الأولى من الحرب. 

سنوات كثيرة من إنتاج دولة ضخمة ضاعت سدا نتيجة للتراجع الفوضوي وغير المتوقع للجيش الأحمر، ليصبح 70 مليون مواطن سوفيتي تحت الاحتلال. بحلول نهاية عام 1941، توقف الجيش النظامي عن الوجود، و قع 3 ملايين من أفراد الجيش الأحمر في الأسر. تقدم العدو مئات الكيلومترات وحاصر لينينغراد ووصل إلى ضواحي موسكو وستالينغراد. (لم يحدث أي شيء من هذا القبيل في الحرب العالمية الأولى، حيث لم يتمكن العدو من التقدم في الشمال إلى أبعد من ريغا، بينما الجيش الروسي كان يقاتل في الجنوب على أراض أجنبية).

فشل النظام السوفييتي

 اعترف ستالين في نهاية الحرب أكثر من مرة أنه "لولا مساعدة الولايات المتحدة وإنجلترا لما تمكن الاتحاد السوفييتي من تحمل ضغط الرايخ الثالث، ولكان خسر هذه الحرب". لتصحيح الوضع بطريقة ما، شغلوا في المصانع طلاب المدارس المراهقين، الذين عملوا لمدة 10 ساعات يوميا خلف الآلات. كل البلاد تضورت جوعا واقتاتت بموجب بطاقات التموين (بينما إبان الحرب العالمية الأولى لم تّدخل بطاقات التموين إلا  في ربيع عام 1917).

تحدثت الوقائع غير النادرة عن جودة المنتجات أيضا، حيث أن نصف خسائر أسطولنا الجوي لم تكن حربية، أي أن الطائرات المنتجة في المصانع السوفيتية لم تستطع الطيران بكل بساطة. المأساة المميزة هي القصة الحقيقية غير المسطّرة بعد، والتي تدور حول الدفاع عن لينينغراد، حيث وصلت إمدادات الغذاء عبر "طريق الحياة" إلى جزء من السكان فقط. لم يتأثر مسؤولو الحزب وموظفو المصانع العسكرية، كما وزود الجيش بإمدادات جيدة. أطعم ونجا 60 ألف حصان، ومات مليون شخص عادي في بطرسبرغ جوعا!

أُستكمل الفشل الاقتصادي بالتراجع الأيديولوجي، إذا لم نقل الهروب. بدأ تخلي ستالين عن الأيديولوجية الشيوعية في أول خطاب عام في 3 تموز/يوليو من عام 1941، عندما ناشد "الأخوة و الأخوات" وليس "الرفاق الشيوعيين ..." ، و سمّى الحرب بالحرب الوطنية الثالثة. 

من بعد ذلك أعاد الجيش الأحمر الرتب والشارات العسكرية التي اعتمدت في الجيش الروسي وظهرت أوسمة :سوفوروف وكوتوزوف وخميلنيتسكي و أعيد إسم وشعار "الحرس". وأنشئت كليتي سوفوروف ونخيموف العسكريتين. أعيد شأن الكنيسة الأرثوذكسية الروسية. انضم الاتحاد السوفيتي إلى تحالف الدول الديمقراطية المناهضة لهتلر وحلت المنظمة الشيوعية الدولية. وبدلاً من نشيد الأممية، حصلت البلاد على نشيدها الوطني (إلا أن ستالين خشي إحياء العلم الروسي).

ستالين كوطني كاذب

كان لكل دولة حاربت النازية أهدافها الخاصة. دافع الأمريكيون عن الديمقراطية وحاربت فرنسا من أجل الاستقلال وسعت بولندا للحفاظ على هويتها، بينما كان الهدف الحقيقي للنظام الستاليني، الذي اختبأ خلف الشعارات الوطنية، في الحفاظ على روسيا تلك، التي كتب عنها لينين "فاز بها البلاشفة".

بعد عام 1946، بدأت الأحاديث الوطنية تتلاشى، لتصم أذان البلاد دعاية إيديولوجية جديدة تدعو إلى مواجهة "الأعداء"، المتمثلين في المجلات الأدبية ومؤلفيها. هكذا، استعاد النظام السيطرة الكاملة على الفكر. وصار من الواضح أن وطن الشعب السوفيتي سوفيتي أيضا. لم يعد الانتصار في الحرب انتصار 53 دولة تحالفت ضد هتلر، وإنما انتصارا للنظام السوفيتي.

قد لا يفهم أحد ما هذا ويقول وما المشكل؟ سأشرح. انهارت "الاشتراكية السوفيتية" في عام 1991. واشرحوا لي أنتم الآن بما نحتفل في 9 أيار/مايو؟ بتمديد حكم النظام الشمولي لنصف قرن في بلدنا، أو بإن الستالينية تنبعث من جديد  أو بأننا أنقذنا  أنفسنا و أنقذنا بلدنا؟

ستالين والمجاعة بين عامي 1946 و1947

لم يكن ممكنا أن تكون مسألة معنى وأهداف الحرب، التي حطمت روسيا، موضوع نقاش مفتوح في تلك الأيام، رغم أنها شغلت في الواقع بال كل شخص خاض الحرب و نجا منها. جزء من المحاربين على الخطوط الامامية، الذين عادوا إلى ديارهم، جرحوا ولم تكن لديهم القوة إلا للعيش بأية طريقة ما تبقى من سنوات و أشهر. ولكن كان هناك أولئك الذين لم ينجوا فقط، بل والذين ظلوا أصحاء جسدا وروحا. هم أقنعوا بسذاجة بعضهم بعضا بأنهم هزموا العدو، وحان الآن دور المزارع الجماعية البغيضة، وبأن "غولاغ" و "إنكافِدِ" ستحلان.  

كان هناك جزء آخر من السكان أيضا، الذي لم يتوقع أي شيء جيد من ستالين. أعيد تنظيم الحركة الفدائية في البلاد، وواصل جزء من المتمردين الكفاح المسلح، وهذه المرة ليس ضد الفاشية، وإنما ضد الستالينية.

أدرك "أبو الشعوب" الوضع بشكل جيد وسعى للسيطرة عليه. ووجد طريقة بلشفية بامتياز للخروج من الوضع القائم. الساخطًون و السذج في "غولاغ" والجميع سيمرون معا عبر المجاعة المنظمة المصطنعة. بين عامي 1946 و1947، كان نصف البلاد على حافة الموت! مات 2 مليون شخص جوعا. وأمكن كبح جماح الاحتجاج المدني لبعض الوقت.

الخلاصة

من الصعب إنهاء موضوع "ستالين والحرب"، فهناك أيضا إعدامات "كاتين" وهروب قائد الدفاع عن سيفاستوبول الذي حفّزه ستالين، تاركا في براثن الفيرماخت 90 ألفا من رجال الجيش الأحمر، بالإضافة إلى عدد الضحايا غير المحدد حتى الآن، هل هو 27 مليونا وفقا لغورباتشوف  أو 42 مليونا وفقا لإعلان مجلس الدوما الصادر في فبراير 2017 (أذكر أننا في الحرب العالمية الأولى خسرنا 700 ألف قتيل فقط). 

سأختم بكلمات اثنين من قدامى المحاربين الذين أطلعونا على حقيقة الحرب... 

وصف فيكتور بتروفيتش أستافيف ستالين بـ"الصياد غير الشرعي للشعب الروسي"، بينما كتب نيكولاي نيكولايفيتش نيكولين المحارب على الخطوط الأمامية في الحرب العالمية الثانية في مذكراته "ذكريات الحرب": لو كان جميع قادة الفرق والجيوش والجبهات عملاء لألمانيا، لما ألحقوا مثل هذا الأذى الذي ألحقه القادة الحمر!

مكان ستالين الصحيح هو في الكتاب الأسود للجرائم المرتكبة ضد شعبنا.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس - "كوريسبوندينت"

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022