أعلنت وزارة الخارجية الأوكرانية مرارا خلال الشهور الماضية أن الحديث عن مرتزقة أوكرانيين في ليبيا هو مجرد تسريبات إعلامية اختلقها صحفيون غربيون.
وقد نشرت صحيفة "ستراتفور" الأمريكية سابقا معلومات نقلا عن مصادر لها، زعمت فيها أن طيارين أوكرانيين قصفوا قوات الثوار والتظاهرات السلمية ضد القذافي، خلال الشهور الماضية، وذلك من طيارات "ميغ" السوفييتية، وأن أحد هؤلاء الطيارين قد أسر.
وفي 23 أغسطس/آب الماضي كشفت صحفية في قناة "Channel News4" الأمريكية عن أثر أوكراني في الحرب الليبية. وكتبت: "خطف الثوار الليبيون مرتزقة أوكرانيين حاربوا إلى جانب الزعيم الليبي معمر القذافي. شاهدت 11 رجلا رفعوا الأيدي، وأبلغني قائد الثوار أن هؤلاء قتلة مرتزقة وصلوا إلى ليبيا من أوكرانيا".
وتقول صحيفة "كومسومولسكايا برافدا" الروسية إنها استطاعت العثور في أوكرانيا على شخص اسمه فولوديمير لياخوفيتش (39 عاما)، كان يحارب في ليبيا وعاد منها قبل نحو شهر، وكان هناك على مدى أشهر قائدا للوحدة العسكرية الحكومية في مدينة مصراتة.
وذكرت الصحيفة أنه أصيب بجرح في الكتف قبل مغادرته ليبيا، ولم يسمح بنشر صورته الفوتوغرافية.
وحتى زوجته وابنته الصغيرة لا تعرفان ماذا كان يعمل في طرابلس، وتعتقدان أنه عمل سائقا في شركة لبيع السيارات المستهلكة.
قال فولوديمير، الذي تعلم الرماية من الأسلحة صغيرا، وكان والده ضابطا، وخدم عام 1999 في كوسوفو ضابطا في قوات حفظ السلام، إنه تعرف على أشخاص قاموا بتجنيد المرتزقة.
وتحدث عن مشارته فقال في حوار مع الصحيفة: "بعد أن انتقل لهب الثورة من مصر إلى ليبيا أدركت أنه بوسعي إيجاد فرصة للعمل هناك، واتصلت بهؤلاء الأشخاص الذين رحبوا بي وقالوا إن ليبيا هي بلد غني والمعدات الحربية هناك سوفييتية الصنع، أما العرب فلا يتقنون فن الحرب.
وعرفت أن هناك شركة في مدينة أوديسا تقوم بتجنيد المرتزقة، وقام منتسبو الشركة في أول أيام الحرب الليبية بإرسال فريق من المهندسين إلى ليبيا جوا. وكان هذا الفريق في التسعينيات يقوم هناك بصيانة الطائرات والصواريخ.
ثم قامت الشركة بإرسال مجموعة من 20 فردا للمشاة إلى ليبيا، وسبق لهؤلاء أن شاركوا في عمليات حفظ السلام، وبعضهم اكتسب خبرات في جورجيا".
وصل فولوديمير إلى أوديسا في منتصف فبراير/شباط، واتصل بمكتب صغير عمل على تجنيد خبراء ومهندسين. وقال أصحاب المكتب إنهم بحاجة إلى خبراء النفط والسائقين والمهندسين شريطة أن يكونوا بصحة جيدة.
يكمل فولوديمير فيقول: "أتت فتاة بنسخة من الاتفاقية من ورقتين، وقالت إنني سأعمل سائقا في شركة تعمل على بيع السيارات. واتفقنا على أن ننطلق من أوديسا، لكن ليس إلى طرابلس، بل إلى السودان المجاورة. وبموجب الاتفاقية تعهد المكتب بدفع راتب قدره 4 آلاف دولار كل شهر.
كان معي خمسة شباب، أحدهم من مدينة دونيتسك، والبقية من محافظتي ميكولايف وأوديسا".
وبحسب فولوديمير فقد استقبل عربي اسمه إبراهيم المرتزقة الأوكرانيين في المطار، وأوصلهم إلى سيارة نقلتهم إلى طرابلس. ولم يختم رجال الحدود أية تأشيرات في جوازاتهم.
يتابع فولوديمير: "التقيت بقائد المعسكر في فندق واقع بضواحي طرابلس. واتضح أنه يجيد اللغة الروسية. فأطلعنا القائد باختصار على الأسلحة، ثم سأل عن تخصصاتنا، وقال إن القذافي بحاجة إلى القناصين وقادة الوحدات الفرعية والجنود الذين يجيدون استخدام أسلحة معقدة.
كانت في حوزة الليبيين العربات القتالية والأسلحة نفسها التي كانت في حوزتنا. ومن بينها رشاشات كلاشينكوف وراجمات الصواريخ "غراد" ودبابات "تي 72" و"تي 62" وعربات المشاة القتالية "بي إم بي 1" وناقلات الأفراد المدرعة "بي تي آر60" وعربات الاستطلاع القتالية "بي آر دي إم 2" والمدافع الذاتية الحركة "غفوزديكا" و"أكاتسيا".
تم تعييني قائدا لفصيل المشاة، وضم هذا الفصيل 30 جنديا من أهالي الدول الأفريقية المجاورة مع ليبيا، بالإضافة إلى شابين صربيين وشاب مولدوفي. أما بقية الشباب الأوكرانيين فتولوا ممارسة تخصصات القناص والطيار.
ثم تلقيت هوية شخصية مرقمة يذكر فيها اسم ولقب يختلف عن اسمي ولقبي. كما أنيط كل واحد بمهمة قتالية. وقالوا لنا إن راتبنا يبلغ الآن 10 آلاف دولار. وتعهدوا بدفع 1500 دولار كل يوم في حال اشتداد المعارك".
خدم فولوديمير في قاعدة عسكرية بضواحي طرابلس كانت تدافع عن طرابلس. وكانت تلك الخدمة هادئة أولا. وبعد مرور شهر وقع فولوديمير في جهنم حقيقي حين قررت قيادة القوات الليبية في مارس/آذار نقل فصيله إلى مدينة مصراتة، حيث كانت قوات القذافي تخوض معارك كر وفر.
يقول فولوديمير: "وصلنا إلى مصراتة في 13 أبريل/نيسان، حيث بدأت المذبحة الحقيقية. ولم يتوقف إطلاق النار على مدار 24 ساعة ليلا ونهارا. فلا أعرف من شارك في تلك المجزرة، لأن شبابي أوكلت إليهم مهام خاصة.
لكنني سمعت في الأثير اللاسلكي كلاما روسيا بشكل دائم. وهناك بناية شاهقة في وسط المدينة حيث تواجد القناصون الأوكرانيون والبيلاروس. وقامت طائرات الناتو بتوجيه ضربة الى تلك البناية فقتل كل من كان في داخله".
من غير المعروف بم كانت ستنتهي بعثة فولوديمير لولا رصاصة أصابته يوم 27 أبريل/نيسان في الكتف، وهو يعتبر أنه رجل محظوظ، إذ أن وقت إصابته صادف فترة الهدنة حين بدأت مفاوضات بين الجانبين.
واستطاع فولوديمير تقاضي الراتب المستحق له وتلقي الأوراق الشخصية، فغادر طرابلس ليتجه إلى بيته.
وفي النهاية قال: "لدى المرتزق حقوق محدودة في الحرب. إذا أسرت فيمكن اعتبار أنك جثة.
تم في نهاية أبريل/نيسان اعتقال بضع عشرات من جنود ينطقون اللغة الروسية في مصراتة، وتم إيصالهم الى سجن بنغازي قبل أن تبدأ محاكمتهم، ومصيرهم مجهول.
ونظرا إلى أن السلطات الأوكرانية كررت دوما أنها لا تعرف شيئا عن المرتزقة الأوكرانيين في ليبيا، فمن المحتمل أن يعدموا كلهم بدلا من إعادتهم إلى الوطن.
إنهم (المرتزقة) يعلمون أنه قد يثيرون فضيحة لوطنهم، وبإمكان السلطات الأوكرانية سجنهم. لهذا فإنهم لا يذكرون البلد الذي وصلوا منه في حال أسرهم.
كومسومولسكايا برافدا
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022