لنتعلم من أوكرانيا...

لنتعلم من أوكرانيا...
نسخة للطباعة2015.11.06

محمد الظفيري

حينما أتأمل حال أوكرانيا تلك الجمهورية التي نشأت حديثًا بعد انهيار المنظومة السوفييتية، وذلك بعد اقتلاع القرم منها، وما حل بعدها من تفتيت لوحدة ترابها الوطني تحت ظل نزعات الاستقلال التي تجري في شرق البلاد من قبل المواطنين الذين ينحدرون من أصول روسية، يخطر ببالي موقف الفيلسوف الألماني فريدريك فيلهيلم نيتشه القائل إن من يمتلك القوة يمتلك الحق، وذلك أن الصواب مع القوي باعتباره صاحب الحق والامتياز.

ها هي الآن أوكرانيا تواجه مصيرها منفردة رغم الدعوات التي تعلن هنا وهناك حول ضرورة توقف استمرار التدخل الروسي بالشأن الأوكراني، وكأن حال لسان الغرب يقول: يكفيك يا بوتين ما اقتطعته منها، لكن الدب الروسي بعدما ابتلع ما يشاء من أوكرانيا أرسل قواته للشرق الأوسط للتدخل في الصراع السوري، ليقول للجميع إن ما حدث في أوكرانيا جزء من التاريخ والزمن تتحرك عجلاته إلى الأمام، وأن ما ذهب لن يعود.

أمام هذا الموقف لم يعد لاتفاق بودابست المبرم في 1994، الذي وقعت عليه كل من روسيا الاتحادية والولايات المتحدة وبريطانيا مع الطرف الأوكراني، والقاضي بأن تضمن هذه الدول الثلاث سلامة ووحدة أراضي جمهورية أوكرانيا مقابل تخليها عن السلاح النووي الذي ورثته من تركة الاتحاد السوفيتي.

ها هي الاتفاقية قد جف حبرها، وقد بدا للجالس في الكرملين ما بدا له من مواقف، بعد أن قلّمت كييف بيدها أظافرها، وتخلت بمحض إرادتها عن سلاح الردع النووي الذي لو كان معها الآن ما فكّر الشرق ولا الغرب بالاقتراب منها، والعبث فيها، ولكن هكذا هم الضعفاء يدمرون أنفسهم قبل أن يأتيهم الغرباء.

ما يعنينا من الحالة الأوكرانية كعرب بشكل عام وكخليجيين بوضع خاص هو منطق الفيلسوف الألماني لا الوضع الأوكراني بعد أن تخلت البلاد عن السلاح النووي وعليها أن تواجه مصيرها بمفردها فعبارات العزاء لن تجدي الأوكرانيين نفعًا، ومواقف النبلاء لن تعيد لهم ما ضاع منهم من حقوق.

ما يعنينا نحن العرب، هي القوة، فهي الحق وهي الصدق وهي الفضيلة وهي السلام والعدل.. وهي كل شيء، فالحقوق لا تمنحها قرارات مجلس الأمن والحدود لا تحميها الاتفاقيات الأممية، والأخطار المحدقة بالمنطقة لن توقفها زيارات الوفود المتعاقبة.

حقيقة لا بد من قولها، وآمل أن أكون مخطئًا في هذا الكلام. في ظل تسارع الأحداث وبروز الأنياب وحرص الآخرين على الإمساك بالأرض والسعي للقوة بينما نحن نلهث وراء كل ما ليس له فائدة، في ظل هذا الوضع ما أشبه حالنا بالحالة الأوكرانية مع أنها أفضل منا بمراحل، إذ إن هناك دولاً كبرى تقف وراءها وتؤازرها، وتحاول كبح جماح موسكو عن المضيّ أكثر من ذلك، أما نحن النائمون فآن لنا أن ندفع فاتورة سباتنا العميق، وعبثنا اللاهث وراء كل ما لا يغني ولا يسمن من جوع، ولن يهابنا الآخرون ما لم تكن لدينا القوة والقدرة، وصدق الشاعر العربي القديم:

متى تجمع القلب الذكيَّ وصارمًا *** وأنفًا حميًّا، تجْتنبْكَ المظالمُ

لكن بعد كل هذا.. لا بد من شد أزر التحالف العربي بقيادة المملكة الساعي بكل قوة لعودة اليمن إلى عروبته ولشعبه من الهيمنة الأجنبية، الذي أرجو له التوفيق والاستمرار في هذه الصرامة الساعية لتقليم الأظافر العابثة قبل أن يأتينا اليوم الذي سنقول فيه: ليتنا تعلمنا من أوكرانيا...

الشرق

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

العلامات: 
التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022