مهما فرقت السياسة بين الدول، تبقى الثقافة أقصر الطرق وأسهلها لجمع الشعوب والتعريف بقضاياها، بألوان الفن ومزايا العادات والتقاليد والفلكلور والتراث، التي تروق للشعوب عامة، وتعكس -بصورة غير مباشر- ما بها من أفراح وآلام وآمال.
الثقافة الأوكرانية استقبلت نظيرتها الفلسطينية يوم الأمس، ضمن حفل جمعهما على مسرح في العاصمة كييف، دعت إليه ونظمته السفارة وعدة شخصيات عربية وفلسطينية، وشاركت فيه عدة شخصيات وفرق فنية من البلدين.
وليست هذه هي المرة الأولى التي تلتقي فيها الثقافتان، فقد تبادل الفنانون والفرق الزيارات عدة مرات خلال الأعوام الماضية، وبات بينهم "خبز وملح"، كما يقولون في أوكرانيا وفلسطين.
عناق المواساة
لكن حفل الأمس أظهر أن بين الشعبين أكثر من مجرد "خبز وملح"، بل كثير من ألوان الفن، التي بدت وكأنها تعانق بعضها لتفرج عن الهم وتقدم المواساة، خاصة في ظل المحنة الفلسطينية الطويلة، والأزمة الأوكرانية الراهنة.
الحفل وإن أقيم بمناسبة "يوم الأرض الفلسطيني" الذي يصادف 30 من آذار/مارس كل عام، إلا أنه احتفى بأدباء حفظوا للشعبين هوية وخصوصية، وعلى رأسهم تاراس شيفتشينكو ومحمود درويش.
الأغاني والرقصات والدبكات الشعبية عكست بصورة لافتة تمسك الأوكرانيين بأرضهم وخصوصية هويتهم، التي كان الكثيرون يعتقدون أنها امتداد للهوية الروسية، ولا تختلف كثيرا عنها.
الأشعار والمواميل بدورها عكست حجم الجرح الفلسطيني جراء الاحتلال، لكن الأغاني والدبكات الفلسطينية أشعلت المدرجات رقصا وتصفيقا وتصفيرا، وعبرت بمضمونها عن حب الفلسطينيين للحياة والأرض، وأملهم بأن يحل السلام العادل يوما ما عليها.
سعيد سلام طبيب فلسطيني يقيم في أوكرانيا منذ سنين، اعتبر أن "الثقافة أقصر الطرق للتعريف بالقضية الفلسطينية، تصل إلى قلوب الناس وعقولهم، حتى وإن أغلق السياسيون أعينهم وآذانهم أمام صرخاتها".
وقال: "رسالتنا إلى فلسطين، أننا سنعود يوما ما إلى أرضها، وإن لم نعد، سنعرف بقضيتنا، وسنربي أبنائنا وأحفادنا لتكون العودة هدفهم، وتتحقق يوما ما".
وحي الصور
الصور واللوحات كانت تقوم بدورها على هامش الحفل أيضا، ضمن معرض لرسامين فلسطينيين ومصورين أوكرانيين، ناطقة بكلمات تقرؤها الأعين والقلوب، كما قال المشاركون.
"للريشة لسان يخاطب القناعة، وقد يكون أقدر على إيصال الفكرة أو الرسالة"، يقول جمال بدوان فنان الرسم التشكيلي المشارك، وهو فلسطيني الأصل دخل موسوعة "غينيس" بأكبر لوحة زيتية.
بدوان أوضح بالقول إن اللوحات تختصر جملا، ولها تأثير كبير على نظرة المجتمع الأوكراني للعرب والمسلمين وقضية فلسطين، معتبرا أن المجتمع في أوكرانيا متعاطف مع القضية، لكن الساسة منحازون إلى الاحتلال.
وعن لوحاتها التي أتت بها من الأردن، قالت الفنانة التشكيلية الفلسطينية مرام حسن: "رسوماتي هي مرآة الواقع، ومرآة لشعر قيل أو حدث حصل، وكثيرا ما يكون العكس، فألوان الأدب والفن تتكامل لبلوغ الهدف".
وعن تحقيق هذا الهدف قالت: "أنا متفاجئة من تفاعل الجمهور الأوكراني وحجم اهتمامهم وإعجابهم بالكلمات واللحن والرقص والرسم؛ هذا يشعرنا أننا لسنا وحيدين، وأن العالم الإنساني يقف عادلا إلى جانبنا".
أوكرانيا برس - الجزيرة
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022