د. أمين القاسم - القرم
تقع شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا، يحدها شرقا بحر آزوف، وجنوبا وغربا البحر الأسود، وترتبط مع باقي الأراضي الأوكرانية بشريط بري عرضه 8كم.
مناخها معتدل صيفا ودافء شتاء، ومساحتها تبلغ حوالي 28 آلاف كيلومتر مربع، 72% من أراضيها سهول، و20% جبال، و8% بحيرات عذبة.
الثروات الطبيعية
توجد أحواض كبيرة من الغاز والحديد في شرق الجزيرة، واحتياطي نفطي في غربها ، كلها غير مستثمرة، إضافة إلى الثروة الزراعية من الفواكه والخضار والثروة السمكية التي تمد بها شرق ووسط وغرب أوكرانيا.
المدن الرئيسية
العاصمة سيمفروبل – سيفاستوبل – يفباتوريا - فيادوسيا - جانكوي - كيرتش – بختشيسراي - سوداك.
عدد السكان
يقطن شبه الجزيرة حوالي 2.5 مليون نسمة. 50% ذوو أصول روسية، و30% من الأوكرانيين، و20 من التتار.
المواصلات
في الجزيرة مطاران دوليان مدنيان في كل من سيمفروبل وسيفاستوبل، يرتبطان بخطوط الملاحة العالمية ويمكن الوصول إليهما عن طريق الكثير من المدن الشهيرة والعواصم العالمية.
التاريخ
سكن الجزيرة الإغريق والقوط والإيطاليون والرومان والشعوب التركية (الذين أطلق عليهم لاحقا التتار)، ودخل الإسلام الجزيرة في النصف الأول من القرن العاشر الميلادي عن طر يق الرحالة والتجار المسلمين.
تسمية "القرم" تسمية تترية تعني القلعة، وكانت تضم مناطق ما يسمى الآن شبه جزيرة القرم والأراضي المحيطة ببحر آزوف (في روسيا الآن) وشمال جزيرة القرم (في أوكرانيا اليوم).
أما تسمية التتار فهي تسمية لاحقة لا علاقة لها بالمغول التتار، يفسرها المؤرخ الدكتور محمد صبحي عبد الحكيم بقوله: "وقد أعطى الروس اسم التتار لمجموعة متنوعة من الشعوب المتحدثة بالتركية وبغيرها قبل وصول الإسلام بوقت طويل، وبعد وصول الإسلام مال الروس إلى تسمية كل المسلمين باسم التتار. أما اليوم فيطلق هذا الاسم على عدة شعوب مرتبطة ببعضها البعض. والتتار الحاليون لا يمكن اعتبارهم أحفادا مباشرين للمغول التتار، الذين اكتسحوا معظم أوراسيا في القرن الثالث عشر...".
من العام 1441-1783م قامت على أراضي القرم مملكة قرمية تترية مسلمة توالى على حكمها خمسون خانا، كان أشهرهم:
- الحاج كراي مؤسس المملكة، وكان معاصرا للسلطان محمد الفاتح.
- غازي كراي، كان أديبا وشاعرا وقائدا عسكريا اجتاح مناطق واسعة من روسيا، ودخل موسكو وأجبر أميرها على دفع الجزية.
كانت عاصمتها مدينة بغجة سراي (بختشيسراي حاليا) مدينة زاهرة بالمساجد (حوالي 32 مسجد) والمدارس والقصور والدور والحمامات والحدائق والبساتين.
عام 1474 أصبحت مملكة القرم حليفا للدولة العثمانية، ساعدتها في جميع حروبها ضد الروس والملدافيين، واستمر هذا الحلف إلى عام 1774م، عندما دخلت القرم تحت الوصاية الروسية.
شعب تتار القرم مسلم حنفي المذهب من الشعوب التركية، ولغتهم قريبة من العثمانية التركية، وعاداتهم وتقاليدهم تنبع من الدين الإسلامي وعادات الشعوب التركية.
كان لخانية القرم دور في ترسيخ الإسلام في هذه البلاد إلى يومنا هذا، وقد خرّجت العديد من العلماء والفقهاء والنحويين والقراء، الذين دونوا إنتاجهم العلمي باللغة العربية وأحيانا بالتركية العثمانية،مما ساهم في دفع مسيرة الحضارة الإسلامية، وقد تبوأ عدد من العلماء مناصب الإفتاء والإمامة في مساجد اسطنبول ومكة والمدينة وفلسطين.
كما وكانت هذه الخانية خط الدفاع الأول ضد الأطماع الروسية في الأراضي الإسلامية، التي كانت تحت السيادة العثمانية، وساندت الأخيرة في أكثر من مناسبة.
وقد زار هذه المنطقة عدد من الرحالة المسلمين مثل: ابن بطوطة، وأبو عبيد البكري القرطبي، وأبو حامد الغرناطي، والرحالة التركي أوليا جلبي.
معاناة تتار القرم
نتيجة ضعف الدولة العثمانية والحروب الكثيرة مع الدولة الروسية، تخلت الدولة العثمانية عن القرم، ووقعت اتفاقية عرفت بمعاهدة "كوجك قينارجه"، نصت على منح القرم استقلال ذاتي عن الدولة العثمانية عام 1774، ليبدأ الوجود الروسي لأول مرة في شبه الجزيرة.
ولكن الروس بقيادة الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية أخلت بالاتفاقية، واحتلت الجزيرة عام 1783م، وأحرقت ودمرت عاصمتها والكثير من المعالم الحضارية الإسلامية فيها، وكان في القرم آنذاك نحو 21 ألف معلم إسلامي، بين مسجد ومدرسة وكتاب وغيرها، تعرضت معظمها للتهديم.
ثم سرعان ما بدأت معاناة مسلمي القرم، من خلال حملات الاضطهاد المنظمة، التي دفعتهم إلى التشتت في دول آسيا الوسطى وسيبيريا وتركيا وبلغاريا ورومانيا، ومورست ضدهم شتى أنواع العنف والتمييز، إذ هدمت مساجدهم ومدارسهم وبيوتهم، وأحرقت مصاحفهم وكتبهم بهدف إفراغ القرم من أهله و"ترويسه".
بعد حرب القرم بين روسيا والدولة العثمانية وفرنسا وبريطانيا، عمدت الحكومة الروسية إلى طرد أعداد كبيرة بحجة انحيازهم إلى الأعداء، وفي نهاية العشرينيات من القرن العشرين شن الشيوعيون حملة تطهير ضد المفكرين التتار، وتم قتل 3000 إماما، ونفي 40 ألف مسلم إلى سيبيريا، وعلى أثرها أُعدم رئيس الحكومة والمفتي التتري آنذاك نعمان تشلبي جيهان.
أعنف هذه الحملات كان على يد ستالين في 18 أيار/مايو 1944م، عندما قام بتهجير جميع السكان التتار إلى آسيا الوسطى وسيبيريا (حوالي 300 ألف مسلم جلهم من الشيوخ والأطفال والنساء)، في عربات قطار مخصصة للحيوانات، وفي ظل برد قارص قضى على عشرات الآلاف منهم، في حين كان كثير من الشباب القرمي يخدم في الجيش الأحمر السوفيتي، وفي مختلف القطع والرتب والجبهات العسكرية.
ثم تم تغيير 80%من أسماء المدن والقرى والبلدات القرمية إلى أسماء باللغة الروسية، واستجلب الروس والأوكرانون من "العمال الكادحين" للعيش في القرم بدلا من التتار الذين صودرت أراضيهم وممتلكاتهم بعيد التهجير.
ومع بداية انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991م، بدأ التتار بالعودة التدريجية إلى القرم، ليسكن معظمهم في قرى السهول والجبال النائية الفقيرة، ومازال حتى الآن 150 ألف قرمي مع أولادهم وأحفادهم مهجرين في روسيا وأوزبكستان وقرغيزيا وطاجكستان.
تتار القرم والعالم العربي
يربط الإسلام بين التتار والعالم العربي، وجال الكثير من علماء التتر في البلاد العربية، حيث درسوا ودرّسوا في مساجدها، وبعض العائلات القرمية ما تزال حتى الآن تعيش في "الحجاز" وفلسطين.
وتذكر العديد من المصادر التاريخية أن أصل السلطان الظاهر بيبرس حاكم مصر والحجاز وقاهر المغول أنذاك من القرم.
شارك الجيش المصري في حرب القرم 1853-1855م، التي خاضتها كل من الدولة العثمانية إلى جانب فرنسا وبريطانيا، واستشهد عدد من الضباط المصريين، ولا تزال قبوهم موجودة حتى الآن في مدينة يفباتوريا.
كما شارك في هذه الحرب، وضمن الجيش الفرنسي، عدد من الجنود المغاربة المسلمين من الجزائر.
بعد استقلال أوكرانيا ساهمت العديد من الهيئات والجمعيات الخيرية من دول عربية كالكويت والسعودية والبحرين والإمارات في مد يد العون والمساعدة لمسلمي القرم، من خلال بناء عشرات المساجد، وحفر الآبار، وترميم البيوت، وطباعة الكتب، وكفالة الأيتام، وغيرها من المشاريع.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022