في ذكرى مرور عام على بدأ الغزو الروسي على أوكرانيا يعنون صحفي الجزيرة مقاله "معركة آزوف.. شاهد- كيف سيطرت روسيا على بحر كامل خلال الحرب مع أوكرانيا؟"
المقال المذكور اعلاه احد الأمثلة عن كيفية خلق واقع اخر في ذهن المتابع العربي يختلف تماماً عن الحقيقة دون الذهاب بعيداً عن الحقيقة عن طريق التركيز على تفاصيل معينة واهمال تفاصيل أخرى أو أحيانا المبالغة في وصف حدث معين.
النقطة الأولى هو في اختيار هذه المحطة بالذات لتوصيف الحرب بشكل عام بعد مرور عام عليها! اذ على الرغم من فشل الروس العسكري في الشمال الأوكراني بشكل كامل وعلى الرغم من فشلهم في خاركيف وخيرسون قرر الكاتب "لسبب ما" تجاهل كل تلك المعارك على أهميتها خاصة معارك كييف الفاصلة التي بالفعل غيرت نتيجة الحرب ليلتفت الى واحدة من النجاحات الروسية العسكرية القليلة في هذه الحرب ويتجاهل كل شيء أخر.
يتحدث الكاتب عن "خطة عسكرية محكمة من قبل روسيا" والغريب ان سمة الحرب الروسية على أوكرانيا هي العشوائية التامة وقلة التنظيم بل أكثر من ذلك حتى عندما تنجح الخطط الروسية العسكرية فنجاحها مرتبط بالفارق الكبير في العدد والعتاد على الرغم من انها تستخدم خطط بدائية من حقبة الحرب العالمية الأولى والثانية! تحديداً في ماريوبل خطة الروس كانت حصار المدينة وتدميرها بالكامل واستخدام قوة بشرية ونارية هي اضعاف مضاعفة ما لدى القوة الأوكرانية المدافعة عن المدينة وترهيب المدنيين لإجبار المدافعين عن المدينة للاستسلام! مع ذلك استمر القتال حوالي 3 أشهر على الرغم من الفرق الكبير في القوة والعتاد لمصلحة الروس وعلى الرغم من القصف الهائل للمدينة الذي انتهى بتدميرها بالكامل بشهادة الاعلام الروسي نفسه الذي لم يخجل من اظهار المدينة مدمرة في صورة تعيد للأذهان ما فعله الروس من قبل بحلب وغروزني وهي سمة عامة لطريقة حرب الجيش الروسي! اذا اين هي "الخطة المحكمة" التي يتحدث عنها الكاتب؟
في مثال اخر على تشويه الحقائق تنشر الجزيرة خريطة توضح تغيير السيطرة في أوكرانيا خلال فترة الحرب الروسية على أوكرانيا
على الخريطة يظهر باللون الأزرق المناطق التي استعادتها أوكرانيا من سيطرة الروس, الغريب في الخريطة الغياب التام لمناطق الشمال الاوكراني ولا كأن الحرب الروسية على أوكرانيا بدأت بشكل أساسي في الشمال الاوكراني ولا كأن الروس كانوا يسيطرون على مناطق كثيرة في الشمال الاوكراني تم اجبارهم على الخروج منها! يمكن الكذب او التحوير في تحليل الحقائق لكن تغيير الخرائط امر عجيب جدا وغير مفهوم من منظمة إعلامية بحجم الجزيرة!
أما قناة العربية فقد قامت بتغطية كبيرة لحوارها مع من تسميه "المفكر الروسي إلكسندر دوغين" الذي يعتبر احد مصادر الالهام الفكري لفلاديمير بوتن صرح دوغين خلال اللقاء على أن أوكرانيا ستختفي من الخريطة! دون ان يجد الصحفي المحاور لدوغين ولا قناة العربية أي مشكلة في هذا التصريح والدعوة الصريحة لإزالة امة كاملة ولا تناقض بين طريقة التفكير الروسية الفاشية "بحسب تعريف الفاشية نفسه" والادعاء الروسي ان روسيا تحارب الفاشية في أوكرانيا.
تتصدر كلا القناتين تصريحات القادة الروس بشكل شبه مستمر ويتم التعامل معها على انها حقيقة دون الاخذ بعين الاعتبار ان التقارير الرسمية الروسية وتصريحات القادة الروس لطالما تم اثبات كذبها بدأً من تصريحات بوتن وخارجيته ووعدهم تارة بانهم لن يهاجموا أوكرانيا قبل بدأ الحرب وتارة بأنهم لم يدخلوا أوكرانيا ليحتلوا أراض جديدة قبل أن يتحول الغزو الروسي لمجرد محاولة التوسع على حساب الاراضي الاوكرانية
لكن لو اعتبرنا انه من المقبول نسبيا افراد حيز كبير للمسؤولين الروس وتصريحاتهم حتى مع ثبات تكرر كذبهم على الاعلام الرسمي فأن الغريب ان البرامج التحليلية لطالما افردت مساحات تتحدث بشكل واسع عن السردية الروسية المبررة للحرب بحجة "مخاوف روسيا" و "الدفاع عن نفسها" ودون الحديث الحقيقي مع الطرف الاخر مع أنه من الثابت ان لم يهجم أحد على روسيا والعكس تماما حصل اذ ان هذه حرب روسيا الثانية على أوكرانيا فقط اخر عشرة أعوام! مع ذلك يتجاهل هذا الاعلام مخاوف الشعب الاوكراني المدافع عن نفسه وعن دولته التي يريد دوغين وبوتن ازالتها من الخريطة.
ولعل من نافلة القول ان من الغريب ثقة بعض مراسلين تلك القنوات بالعصابات المسلحة التابعة لروسيا (ولا اتحدث هنا عن الجيش الروسي بل نتحدث عن عصابات ما يسمى بجمهوريات دونتسك ولوغانسك) واخذ التصريحات منهم وكأنهم جهة رسمية مما يدفعنا للتساؤل هل تغطية هذه القنوات وغيرها من قنوات الأنظمة العربية تتسم بالجهل والكسل في التحقيق الصحفي؟ ام انها تتعمد الانحياز لأسباب أخرى؟
هنا يجب الذكر أنه وعلى الرغم من أن الصحافة تتطلب تقصي الحقائق وعدم الانحياز لطرف على حساب الاخر لكن الصحفيين والمراسلين بشر ويمكن لهم ان يتأثرون بمواقف مسبقة, لكن ان كان من المتوقع من الصحفيين العرب في حالة عدم المهنية ان ينحازوا ضد القوات الروسية ومرتزقة فاغنر الإرهابية على الأقل بسبب جرائمهم المستمرة في الدول العربية مثل سوريا وليبيا فان الغريب حصول العكس تماماً
بل الأغرب من ذلك تقريبا عدم التركيز على أخبار اسر وقتل الضباط والطيارين المشاركين في قتل الشعبين السوري والليبي مع أهمية هذه الأخبار للشعوب العربية وكأن تلك القنوات لا تعتبر ان أخبار مصير مجرمي الحروب في سوريا وليبيا تهم المتابع العربي.
كل ما سبق يدفع المتابع للسؤال عن سبب هذه الظاهرة؟ وقد تكون هذه الظاهرة مرتبطة بسياسة الحكومات العربية المرتبطة بعلاقات صداقة مع الحكومة الروسية لسبب مهم هو أن روسيا تزود تلك الأنظمة بالسلاح دون أي مسائلة خاصة ذلك السلاح الذي يستخدم لقمع الشعوب في حال حصول ثورات كما رأينا في الحالة السورية مما يجعل الكثير من الأنظمة العربية مهتمة بانتصار الروس وبقاء نظامهم كشريك قوي يدعمهم بالسلاح ولا يقاطعهم اقتصادياً مهما كانت تجاوزاتهم في ملفات حقوق الانسان بحقوق شعوبهم على عكس الغرب الذي يمكن على الأقل ان يسبب الكثير من وجع الرأس لبعض الأنظمة العربية, ناهيك عن تحول بعض الدول العربية الى شريك في مساعدة الروس في تخطي العقوبات الغربية وتحول رؤوس الأموال المقربة من بوتن ومرتزقته الى بعض تلك الدول لتصبح تلك الدول قبلة لشايغو وقاديروف وبوشيلين بل اكثر من ذلك دور بعض هذه الأنظمة في مساعدة جماعة فاغنر الإرهابية على تهريب الذهب من السودان وغيرها من الجرائم التي تعود بالنفع المادي على الطرفين وتحتاج لإفراد مقالات مطولة للحديث عنها.
اذا تعتمد بعض وسائل الاعلام العربية سبل التركيز على ما يهمها في الاحداث او التلاعب بالعناوين ناهيك عن تجاهل قسم كبير من الحكاية قد يسلط الضوء على الجانب المعتم للمتابع العربي مثل لماذا يصر الأوكران على الدفاع عن كل شبر من أراضيهم؟ ما هي عقيدة المتطوعين في الجيش الاوكراني وأسباب تطوعهم؟ جرائم الحرب التي قام بها الجيش الروسي وحكايات الناجين منها, تاريخ روسيا العسكري وحروبها المستمرة في المنطقة والعالم بل تاريخ روسيا نفسها وكيف أصبحت اكبر دولة في العالم عن طريق التوسع والاحتلال المستمر, التخبط الكبير في قيادة العمليات العسكرية في روسيا والصراعات المستمرة بين القادة الروس بين تيار وزارة الدفاع متمثلا بالجنرال غيراسيموف من جهة والمرتزقة العاملين مع الجيش الروسي متمثلين ب بريجوجين وقاديروف, التعتيم الروسي الكبير على خسائرهم في أوكرانيا وغيرها من المواضيع التي هي اما غائبة بشكل كامل او تشهد تغطية على استحياء مع انها تضيف بعد مهم لفهم الاحداث.
بالنهاية سواء كانت تغطية هذه المنصات الاعلامية تتسم بأخطاء سببها التقصير في العمل الصحفي او كان الدافع الارتزاق السياسي او المادي عند بعض المراسلين تبقى النتيجة واحدة وهي عزل المتابع العربي عن ما يحدث بالفعل على الأرض في الحرب الروسية الأوكرانية مما يشكل صدمة للمتابع العربي مع تطور الاحداث لاختلافها بشكل كبير عن صورته عن الاحداث مما يعني في النهاية أن الاعلام العربي بشكل عام اخفق في تحقيق مطلب الشعوب العربية في نقل الصورة كما هي مما يجبر المتابع العربي اما عن معرفة الحقيقة عن طريق طرق بدائية كسؤال سكان البلد عن ما يحصل على الأرض بالفعل او الاعتماد على الاعلام العالمي لتغطية الفراغ التي تتركه هذه المنصات الإعلامية.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022