بعد ثلاثين عاماً على كارثة المفاعل النووي في تشرنوبيل، لا يزال حوالي مئة شخص بمعدل اعمار يبلغ 75 عاماً يعيشون في المنطقة القريبة المحيطة بالموقع، وقد عادوا بأكثريتهم الى ديارهم بعيد هذا الحادث النووي الأسوأ في التاريخ على رغم الخطر الاشعاعي واعتراض السلطات الأوكرانية.
ويتساءل يفغيني ماركيفيتش، الرجل القوي البنية البالغ 78 عاماً، كيف لا يسعه «تفسير رغبة الناس في العيش في تشرنوبيل. ما هو هدفهم؟ هل يتبعون قلوبهم؟ هل هو الحنين؟ من يعلم؟»، مؤكداً أنه لا يريد العيش «إلا في تشرنوبيل».
لم يكن يفغيني قد تخطى سن الثامنة في العام 1945 عند انتقاله مع عائلته للعيش في هذه المدينة السوفياتية آنذاك.
ويقول «انقذنا ذلك من الجوع. فقد كنا قادرين هنا على زرع محاصيلنا من الاطعمة وحصدها»، ما يبرر جزئياً التعلق بهذه الارض التي «لم ارغب يوماً في مغادرتها».
عند انفجار المفاعل الرابع في المحطة السوفياتية اثناء اختبار للسلامة في 26 نيسان 1986، كان يفغيني في المدرسة امام تلامذته.
ويروي هذا الرجل السبعيني: «كان ذلك في يوم سبت بعيد وقوع الحادث، ولم نكن نعلم شيئاً في تلك اللحظة. ساورتنا شكوك حيال حصول امر ما لأننا كنا نرى حافلات وآليات عسكرية تتوجه الى بريبيات»، وهي مدينة تضم 48 ألف نسمة، بينهم طاقم المحطة الواقعة على بعد ثلاثة كيلومترات من تشرنوبيل، موضحاً ان «أحداً لم يبلغنا بشيء. كان السكوت تاماً».
وتم ابعاد يفغيني عن المنطقة في نهاية المطاف. لكنه كان يريد العودة على الفور الى منزله. وعندها، ابتكر كل انواع الخطط للعودة الى المنطقة المطوقة بالكامل حينها. فقد ادعى انه بحّار او شرطي مكلف مراقبة تسليم منتجات نفطية. وانتهى به الامر بلقاء مدير خدمة مراقبة الاشعاعات في المحطة وطلب منه الحصول على وظيفة. وقد حصل بالفعل على وظيفة، ولم يغادر يوماً المنطقة المنكوبة. وعلى عكس ما يمكن توقعه، لم يصب يوماً بأي مرض. مع ذلك، هو يقر بأنه واظب على زرع الخضر في حديقته وأكلها، في خطوة «تنطوي على مجازفة»، كما يؤكد ببساطة.
لكن حال ماريا اوروبا أكثر سوءاً. فظروف الحياة المتردية في منطقة الحظر الممتدة على نطاق ثلاثين كيلومتراً في محيط المحطة النووية المنكوبة بدأت تؤثر سلباً على هذه المرأة الثمانينية، خصوصاً في ظل الصعوبات في المشي بعد تعرضها لحادث.
في المجموع، لا يزال 158 شخصاً يعيشون في هذه المنطقة يلقبون محلياً بـ «ساموسيلي» بحسب مسؤول في المحطة، في منازل ريفية مصنوعة في كثير من الاحيان من الخشب.
ويعيش هؤلاء من محاصيلهم الزراعية الخاصة والمؤن التي يوفرها لهم الموظفون والزائرون، كذلك يتوجهون في حال تطلب الامر الى مدينة ايفانكيف المجاورة خارج منطقة الحظر، للتزود ببضائع من السوق المحلية.
وعند حصول الكارثة، اقترحت ماريا على زوجها الاختباء في القبو لتفادي إجلائهما من الموقع. لكن جهودها لم تؤت بثمارها. وتستذكر ما حصل قائلة «كان الوضع حزيناً وكانت أصوات البكاء والصراخ تملأ المكان». وبعد شهرين في مخيم للنازحين، قررت العودة الى المنطقة «مع مجموعة من ستة اشخاص عبر التسلل في الغابة كمقاتلي الميليشيات».
من جهتها، تأسف فالنتينا كوخارينكو البالغة 77 عاماً لاضطرار افراد عائلتها الى ابراز هوياتهم في حال رغبوا في زيارتها. كما تبدي حزنها لعدم تمكنهم من البقاء لأكثر من ثلاثة ايام على التوالي في المكان. غير أنها لا تندم على عودتها سريعاً للعيش قرب تشرنوبيل.
وتقول: «يشاع أن مستويات الاشعاع مرتفعة. لا علم لي بذلك». وهي تأمل أن «تعود الحياة يوماً إلى تشرنوبيل وأن يسمع صدى ضحكات الاطفال مجدداً» حتى لو كان هذا الامر «سيستغرق سنوات».
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
AFP
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022