أوكرانيا.. الصاعق المتفجر

نسخة للطباعة2021.12.17
نبيل سالم

بعد انهيار الاتحاد السوفييتي، في أوائل التسعينات من القرن الماضي، بدا واضحاً لكل من يقرأ السياسة الغربية الاستعمارية جيداً، أن هذا الانهيار لن يوقف شهية الغرب للتوسع كما اعتقد البعض، على الرغم من الوعود الغربية التي أعطيت لموسكو آنذاك بعدم تمدد حلف الناتو نحو حدودها، بعد تفكك الكتلة الاشتراكية، وحل حلف وارسو.

بدلاً من إعادة النظر في استراتيجية الحلف التي كانت قائمة على العداء للكتلة الاشتراكية، أعيد تأسيس هذا الحلف بعد قمته التي عقدت في عام 1990، على أساس خطط جديدة تهدف إلى التوسع نحو الحدود الروسية، ولا سيما بعد انضمام بولندا والمجر وجمهورية التشيك إلى الناتو، وكلها دول سابقة في حلف وارسو، ما بات يشكل خطراً حقيقياً على الأمن القومي الروسي، خاصة بعد استعادة روسيا في ظل حكم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، حضورها العسكري والاقتصادي.

وكان من الطبيعي أن تلجأ الولايات المتحدة ومن ورائها الغرب كله إلى التصعيد مع روسيا، بهدف ضمان الهيمنة الغربية على العالم؛ حيث عمدت واشنطن مع حلفائها الغربيين، إلى زعزعة استقرار الدول المحيطة بروسيا، تحت يافطات شتى، وشعارات خادعة، وإقامة حكومات عميلة لها، بهدف زعزعة الأوضاع في روسيا نفسها، كما يحدث الآن في أوكرانيا، التي بات الوضع فيها يشبه الصاعق الذي يمكن أن ينفجر في أي وقت، في ظل استمرار التحرش الغربي بروسيا، ونصب حلف شمال الأطلسي صواريخه على مقربة من حدودها.

وفيما يبدو أنه محاولة لخلق أزمة كبيرة في وجه موسكو، زعمت الاستخبارات الأمريكية أن روسيا تخطط للهجوم على أوكرانيا في مطلع العام المقبل، وأن موسكو حشدت أكثر من 100 ألف عسكري، بحسب وثيقة استخباراتية نشرتها صحيفة ال«واشنطن بوست».

واللافت هنا أن هذه المزاعم جاءت قبل الاجتماع الافتراضي بين الرئيس الأمريكي جو بايدن، ونظيره الروسي فلاديمير بوتين، وهو ما يعني بنظر الكثير من المراقبين استخدام هذه المزاعم كورقة ضغط أمريكية على روسيا، وتبرير التواجد العسكري المكثف للناتو بالقرب من حدودها، لا سيما وأن القوات الروسية كما تشير الكثير من المصادر تنتشر على بعد نحو ثلاثمئة كيلومتر من الحدود الأوكرانية، حسب تلفزيون ال«بي بي سي» البريطاني.

وكان الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، قد دعا إلى إجراء محادثات مباشرة مع روسيا بشأن النزاع المستمر منذ أكثر من سبع سنوات مع من سماهم بالانفصاليين المدعومين من روسيا في شرق أوكرانيا.

وقال: إن هدف كييف هو «تحرير» شبه جزيرة القرم التي ضمتها روسيا عام 2014، لكنه لم يشر إلى استخدام القوة، زاعماً أن جزءاً كبيراً من الحشود العسكرية الروسية الأخيرة موجود في القرم، إضافة إلى حشود بالقرب من منطقة دونباس الشرقية بأوكرانيا، تصريحات قابلها تأكيد الرئيس بايدن في اتصال هاتفي مع نظيره الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، التزام الولايات المتحدة الثابت بسيادة أوكرانيا وسلامة أراضيها.

أما الرئيس بوتين فقد اعتبر أن النزاع في شرق أوكرانيا بين الجيش الأوكراني و«الانفصاليين» الموالين لروسيا «يشبه الإبادة».

تطورات خطرة دفعت بوزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، إلى التحذير من احتمال عودة أوروبا إلى ما سماه «كابوس المواجهة العسكرية»، مواجهة ليست مستبعدة على ما يبدو، في ظل سعي الغرب لابتزاز روسيا ومحاولة الضغط عليها بكل السبل، وهو ما تؤكده بشكل صارخ تصريحات وزيرة دفاع ألمانيا السابقة أنغريت كرامب كارينباور بضرورة تهديد الغرب موسكو باستخدام الأسلحة النووية ضدها، فيما وجهت المتحدثة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا انتقادات لاذعة إلى كارينباور، معربة عن أملها في أن يكون هناك قادة يتعقلون في ألمانيا يمكنهم منع وزيرة الدفاع من اختبار قدرات الجيش الروسي.

والسؤال الذي يطرحه المراقبون بقوة هو هل سيتجاوز الغرب وروسيا هذه الأزمة الخطرة التي تغذيها شهوة الناتو للتوسع شرقاً، أم أنها ستبقى الصاعق الذي قد يفجر الأوضاع ليس في أوكرانيا وحسب وإنما عالمياً أيضاً؟

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

صحيفة "الخليج"

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022