بسبب أوكرانيا وليس بيلاروسيا.. حرب تلوح في الأفق بين روسيا والناتو

نسخة للطباعة2021.11.26

ديفيد سافيليف وأرتين دير سيمونيان - مجلة "ريسبونسبل ستيتكرافت" التابعة لمعهد "كوينسي" الأميركي

مع تصاعد حدة التوتر في أوكرانيا، يُروِّج الصقور في الغرب لموقف أكثر تصادمية تجاه موسكو.

الخبراء يُحثون على التعاون وبناء الثقة فيما يتعلق بالتوتر المتصاعد في أوكرانيا، قبل أن تخرج الأمور عن السيطرة، في وقتٍ تبدو فيه الولايات المتحدة وروسيا قريبتين من الانخراط في صراع عسكري في أوروبا.

مخاطر عالية

خطر اندلاع حرب غير مقصودة بين روسيا والغرب أكبر مما كان عليه في أي وقت خلال الحرب الباردة.

روسيا لا تُريد الحرب، لكن خطر نشوب حرب بين روسيا وحلف شمال الأطلسي مرتفع؛ ويرجع ذلك ببساطة إلى التصعيد المستمر الذي حدث خلال السنوات الأخيرة.

التوترات الحالية في أوروبا الشرقية يمكن أن تؤدي إلى صراع كارثي يتركز على الحدود الروسية-الأوكرانية، وكذلك على الحدود البولندية البيلاروسية، وآية ذلك أن التقارير الواردة عن تحركات للقوات الروسية بالقرب من الحدود الأوكرانية أثارت ضجة في الصحافة والمؤسسات الأمنية في العواصم الغربية.

وبالإضافة إلى ذلك، يحظى استمرار أزمة اللاجئين على حدود بيلاروسيا وبولندا أيضًا بتغطية إعلامية كبيرة في الغرب. الأزمات كلها جزء من حرب هجينة، يُدبرها الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين.

لا ينبغي المبالغة في تقدير دور موسكو في الأزمة البيلاروسية. روسيا تحمي بيلاروسيا من اللوم، ولكنها تحاول أيضًا تقييد سلوك لوكاشينكو الأكثر خطورة، مثل محاولة تعطيل صادرات الغاز الروسي إلى أوروبا.

لوكاشينكو يُريد الحوار والاعتراف من الزعماء الأوروبيين، وهو ما يحصل عليه الآن. 

والواقع أن لوكاشينكو، وبعد مكالمة هاتفية مع المستشارة الألمانية، أنجيلا ميركل، نقل معظم اللاجئين بعيدًا عن الحدود البولندية إلى العاصمة البيلاروسية، مينسك، على الرغم من أن بولندا لا تزال تشعر بالقلق.

نقطة الانفجار المحتملة

نقطة الانفجار الرئيسة المحتملة بين الناتو وروسيا؛ ليست بيلاروسيا، بل أوكرانيا، وبعد أن استخدم الجيش الأوكراني الطائرات المُسيَّرة (بيرقدار) لتدمير وحدة مدفعية من الانفصاليين الموالين لـروسيا، في دونباس، في أواخر أكتوبر، بدأت روسيا في حشد قواتها.

غزو واسع النطاق أمر غير مُرجح، وغير مرغوب فيه، ومكلف للغاية لروسيا. وتاريخيًّا، ابتعدت روسيا، ما بعد الاتحاد السوفياتي؛ عن مثل هذه المساعي العسكرية الضخمة؛ ولجأت بدلًا من ذلك إلى تكتيكات المنطقة الرمادية الأقل تكلفة، مثل استخدام الوكلاء والمرتزقة، وحرب المعلومات وغيرها من الأساليب غير التقليدية.

التاريخ الحديث يدعم وجهة النظر هذه؛ ففي أعقاب وثيقة إستراتيجية دفاعية رسمية أصدرتها أوكرانيا، في آذار/مارس، والتي تضمنت إشارات محددة لاستعادة شبه جزيرة القرم بالقوة وسحق المتمردين في دونباس، بدأت القوات الروسية التحركات على الأرجح بوصفها دليلًا على عزمها على مواجهة أي هجوم أوكراني محتمل، ولم يحدث أي غزو شامل، بل حسمت الولايات المتحدة وروسيا المسألة دبلوماسيًّا.

حلقة مُفرغة

هناك حلقة مفرغة بين روسيا والولايات المتحدة؛ إذ يعتقد الجانبان أن الجانب الآخر لا يمكن احتوائه إلا من خلال إظهار القوة.

يمكن منع التصعيد في المستقبل، من خلال إعادة التفكير وإنشاء آليات لفض النزاعات بين روسيا وحلف شمال الأطلسي، ولا توجد حاليًا آلية متفق عليها لفض المنازعات، مثل الخط الساخن بشأن المخاطر النووية؛ الذي أنشيء بعد أزمة الصواريخ الكوبية، والذي يتعامل مع مخاوف نشوب حرب عرضية أو غير مقصودة.

الحوار بين روسيا والناتو؛ مُعقد بسبب الإفتقار شبه الكامل للثقة بين الجانبين، ومقاربات الناتو الأمنية داخل حدود روسيا، وتوسع الناتو، والثورات الملونة، والأزمات في أوكرانيا وليبيا وسوريا، وضعف العلاقات الثنائية بين روسيا ومعظم الدول الغربية؛ تُشكِّل بعض دوافع عدم الثقة.

في المُجمل، أظهرت إدارة بايدن حكمة ودبلوماسية في تعاملاتها مع روسيا، حتى ولو لم تتطابق خطاباتها الرنانة مع سياستها، بيد أن التصعيد الأخير قد يجعل الروس يعتقدون أن الولايات المتحدة عادت إلى موقفها العدائي.

أوكرانيا الخاسر الأكبر

الأميركيون يُريدون دمج أوكرانيا في الناتو) بطريقة أو بأخرى. وتلك الخطوة قد تؤدي إلى صراع عسكري واسع النطاق.

الولايات المتحدة تحتاج إلى العودة إلى التفكير بوضوح أكبر في التحالفات، واستعادة قدرتها على التمييز بين البلدان التي تدعمها أميركا دبلوماسيًّا، وتلك التي ستخوض حربًا من أجلها.

يُعارض كثيرون في واشنطن الانخراط مع روسيا دبلوماسيًا، ويفضلون بدلًا من ذلك الحفاظ على موقف المواجهة، وهكذا تتصاعد التوترات بلا نهاية؛ وتبقى العلاقات بين روسيا وحلف الناتو في معضلة أمنية تقليدية.

بوسع إدارة بايدن أن تستخدم النفوذ السياسي أو الاقتصادي لتخفيف حدة التوترات وإيجاد حل سلمي للصراع، الذي دام ثماني سنوات تقريبا، في شرق أوكرانيا، ولكن تحركات من قبيل ضخ مزيد من الأموال للجيش الأوكراني من شأنها أن تُعقِّد أي تواصل دبلوماسي.

في الوقت الحالي، تتجه أوكرانيا نحو أسوأ سيناريو ممكن، وإذا وقعت حرب، فسيكون ذلك سيئًا لروسيا، وسيئًا للغرب، لكن الأمر سيكون أسوأ بالنسبة لأوكرانيا، لأنها ستخسر، ولن يساعدها الغرب.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

وكالات

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022