روسيا ودومينو الأزمات المتفجرة

نسخة للطباعة2020.10.12
أوليكسي كوراكين - مدون

هل لاحظتم أن الأزمات انهالت على جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابق؟، بدءا من "الثورة" في بيلاروس وقيرغيزستان والحرب في كاراباخ.

طبعا، تبدو التكشيرة القبيحة للثورة في "ديمقراطية" آسيا الوسطى مختلفة بعض الشيء. من الصعب، بل وحتى أنه من غير الممكن فعلا العثور على مكون جيوسياسي في أن "النشطاء" القرغيزيون بدأوا "الإصلاحات" من تقاسم مناجم الذهب والنهب الجماعي للمتاجر الكبرى. 

غير أن هناك من ينفخ على جمر المواجهات العشائرية الإقطاعية المشتعل بين الشمال والجنوب، دافعا الشعب إلى هاوية الحرب الأهلية!.

من المثير للاهتمام في هذه الأثناء وفي ظل هذه الخلفية القاتمة، الشعور بما يشبه الحملة الإعلامية المنظمة والموجهة في اتجاه معين في الصحافة الغربية.

أولا - ووفقا للتقليد الراسخ، الذي تقدم عنه أفضل تعبير المقولة الأوكرانية حول زوجة الابن المذنبة دائما، يصرخ الغرب جماعيا وبشكل هستيري: "أوقفوا اللص!" محاولا إقناع المقيمين فيه والمتعاطفين معه ومتلقي المساعدات في الدول "المستعمرات". بوتين هو من يفضل زرع عدم الاستقرار في كل مكان ويحصد الآن ثمار أنشطته المدمرة.

صحيح أن المحرضين الغربيين يغطسون فورا (دون أن يلاحظوا ذلك) في مستنقع تضليلهم العشوائي البالغ حافة الفصام، مدعين أن الأزمات على أراضي الاتحاد السوفيتي السابقة تضعف روسيا! وهذا أمر جيد!.

أي أن روسيا تهدر القوى والموارد الهائلة لزعزعة الاستقرار في جمهوريات الاتحاد السوفيتي السابقة لكي تضعف نفسها وتخلي مواقعها في مناطق نفوذها التقليدية تاريخياً؟ يا له من منطق رائع!.

ثانيا - إذا لاحظنا في البداية حيرة طفيفة في الغرب، أما الأن يصدر استياء من كل بوق متنكر بشكل سيء: "لماذا لا يتدخل بوتين!؟  لماذااااا؟ "، فالمواجهة "الساخنة" بين أرمينيا وأذربيجان، وفق إعلان صحفيي "بلومبرغ"  هي "حرب بالوكالة بين روسيا والولايات المتحدة!".

(من المستغرب لما لم يتوجه هؤلاء المحرضون بعد بأنفسهم  إلى الخنادق الموجودة  في مكان ما بالقرب من مدينة غانجا مثلا لحماية الولايات المتحدة؟ رغم أن هذا ليس موضوعنا).

أجل، من شأن التدخل الروسي المفتوح (العسكري المباشر) في الأزمات المندلعة أن يساعد الغرب المتخبط في مشاكله الخاصة، وفي المقام الأول الولايات المتحدة، على حل مجموعة كبيرة من المشاكل في وقت واحد: التخفيف من معاناته من متلازمة فقدان النفوذ الاحتكاري في العالم وبدء جولة جديدة من حرب العقوبات، مروجين لـ"قائمة الأمنيات" العالمية في المياه الموحلة  والضغط على ألمانيا فيما يخص إنشاء "السيل الشمالي 2" وإيصال "جزيئات الحرية" إلى أوروبا، وتقوية المزاج المعادي لروسيا وتعزيز سلطتها في الدول التابعة أي "الديمقراطيات الممزقة" وصرف انتباه ناخبيهم عن الجائحة المنهكة و"طاعون الصواب السياسي"، حيث تسرق منهم روسيا والصين وإيران (أو سرقت بالفعل) اللقاح الذي لم ينتج بعد.

أجل، ويجب توظيف التفاهم المتبادل الكامل والمشاحنات الودية بين الديمقراطيين والجمهوريين في مكان ما. وإلا، فإن الوقت الذي لم يحن بعد لمسيرة الإصلاحات الديمقراطية في قيرغيزستان ستبدو للأمريكيين مجرد عطلة عيد الميلاد.

عموما، تدخلت روسيا، ولكن بمهارة شديدة لدرجة أن قمة الدبلوماسية في الغرب لم تعبر إلا عن "القلق العميق" ولم توجه إلا النداءات، التي لا معنى لها، لفعل الخير ضد كل ما هو سيئ ، تطحن أسنانها من الغضب.

في حين أن الرئيس بوتين أصدر بيانا بشأن ناغورني كاراباخ داعيا إلى وقف الأعمال القتالية "لأسباب إنسانية من أجل تبادل جثث القتلى والأسرى" ، كما ودعا وزيري خارجية أرمينيا وأذربيجان إلى موسكو للتفاوض عبر وزير الخارجية الروسي.

خطوة جيدة. والأهم أن الصيغة المقترحة تتيح لطرفي النزاع التوقف عن إطلاق النار على بعضهما، محافظين في نفس الوقت على ماء الوجوه، دون الخوف من الاتهامات بالاستسلام  وفقدان المكانة عند الأصدقاء والحلفاء السياسيين. قليلا وستهدأ رؤوس "الصقور" الحامية في كلا البلدين ليتكلم السياسيون على الأقل بدلا من تبادل الضربات الصاروخية.

لكن مسألة سلسلة الأزمات المتفجرة تبقى قائمة، فحجر الدومينو الذي سقط سيسقط حجرا آخرا من جديد وجديد.

هناك احتمال كبير أن يتفاقم الوضع مرة أخرى في أوكرانيا، فالانتخابات، التي تعد الأقذر في تاريخ صراع الملوك المحليين مع الحكومة المركزية؛ ولم تعد موجة ثانية، وإنما إعصارا لفيروس كورونا، القادر في حد ذاته على إثارة الفوضى. إذ أن تزايد التوتر الاجتماعي والصراع المجمد عمليا في دونباس بحكم الأمر الواقع يواصلان شرذمة المجتمع.

إنه مزيج شديد الانفجار. وبالطبع هناك إغراء كبير للدنو بعود الثقاب المشتعل من برميل البارود هذا. حتى أن  الاطراف الخارجية  لن تحتاج لبذل أي جهد هنا!، إذ يوجد هنا، "الوطنيون" المحليو الصنع، الذين سيهرولون بفرح ودون أية خلفيات حاملين المشاعل ليضرموا النار في منزلهم من جميع الجهات وسيكون هذا في هذه المرة مزيج فعلي من ناغورني كاراباخ و "إصلاحات" قيرغيزستان.

سيواصل بوتين بكل مكواة ليبرالية "زعزعة الاستقرار" في روسيا و"إضعافها"، كما يعرض ذلك تقريبا  في الفيلم الأمريكي "كريسر":

- هل تعتقد أن الحرب ستنتهي قريبا يا بني؟

- هل لديك ابن في الجيش؟

- لا، إبني يستثمر المال في قطاع الصلب!

- الحرب تحديدا عمل تجاري! والعمل التجاري يفيد أمريكا!

يقول المثل الشهير: "حماكم الرب من العيش في زمن التغيير!".  لكن توجب علينا ذلك، وهذه التغييرات وهذا الاضطراب العالمي سيستمران  فترة طويلة، حتى تتشكل في العالم بنية مستقرة متعددة الأقطاب، مستقرة إلى أقصى حد ممكن! – عبر توازن القوى ومصالح اللاعبين الرئيسيين في العالم.

هذا إذا لم يقم، طبعا، مديرو ورعاة الأزمات  يوما ما خلال لعبتهم في دفع العالم إلى الهاوية، كما وأن التاريخ أيضا سيد قبيح ومتكرر، وهو يقول إن أي توازن جديد للقوى في العالم يتشكل بعد الحروب.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

المادة أعلاه تعبر عن رأي المصدر، أو الكاتبـ/ـة، أو الكتّاب، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس".

أوكرانيا برس - "كوريسبوندينت"

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022