د. أمين القاسم - باحث في تاريخ المنطقة
عاش مسلمو أوكرانيا من تتار القرم وتتار شرق أوكرانيا ( تتار الفولغا أو تتار الدونباس وما جاورها) تحت الحكم الإتحاد السوفيتي في ظروف قاسية من قهر ٍ وتشريد ٍ، وتهديم ٍ وإغلاق ٍ لمدارسهم ومساجدهم، وحُرموا من الثقافة والتعليم الإسلامي. وحسب تقارير أرشيف لجنة الأديان في أوكرانيا، فإنه مع نهاية الأربعينيات إلى نهاية الثمانينيات من القرن المنصرم لم يكُ مسجلا في أوكرانيا أي مسجد أو جمعية إسلامية.
ومع استقلال البلاد عام 1991م، وعودة الحرية الدينية، بدأ المسلمون المهجّرون من تتار القرم بالعودة للبلاد، وبدأ مسلمو شرق أوكرانيا بالبحث عن هويتهم، وسعى المسلمون لتسجيل جمعيات اسلامية والعمل على بناء المساجد وممارسة الشعائر الإسلامية.
في هذا الوقت كان مجموعة من الطلبة العرب والمسلمين من دول مختلفة يدرسون في جامعات أوكرانيا، وانطلاقا من استشعارهم للأمانة والمسؤولية تجاه مسلمي البلاد، وفي ظل غياب الأئمة ومدرسي الإسلام من أهل البلد وكذلك فقدان الكتب الدينية ظهرت الحاجة الملحة لتنظيم أنشطة وفعاليات تعليمية تثقيفية لتعليم التتار أساسيات العلوم الإسلامية.
القوافل الدعوية الصيفية 1991-2001
أغلب المسلمين في القرم كانوا يقطنون في المزارع والقرى، ويمارسون في الصيف أنشطتهم الزراعية والتجارية، فيما كان الطلبة العرب والمسلمون الدارسون في جامعات اوكرانيا في المدن المختلفة وخلال العطلة الصيفية بين مسافر لبلده ومقيم ينتظر بداية العام الدراسي القادم.
ومن هنا جاءت فكرة القوافل الدعوية (أو بتسميات أخرى: قوافل الدعوة إلى الله، قوافل التعريف بالإسلام، قوافل الصيف للتعريف بالإسلام) في قرى وبلدات القرم، انطلاقا من حاجة المسلمين لتعلّم أساسيات الدين الإسلامي وانطلاقا من الواجب الديني المفروض على الطلبة المسلمين لتبليغ دعوة الله تعالى.
بدأ تنظيم القوافل الدعوية الصيفية في القرم بالتعاون مع الندوة العالمية للشباب الإسلامي، وأرسلت أول قافلة صيف عام 1991م.
فالمقصود بالقافلة الدعوية : ينطلق مجموعة من الطلاب العرب والمسلمون ( تضم القافلة طالبين أو طالب وزوجته) من مدنهم في أوكرانيا للعيش مع إحدى الأسر المسلمة لتعليمها وتعليم أهل القرية أمور الدين من الطهارة والصلاة وأركان الإسلام والسلوكيات الإسلامية، وكذلك التواصل الفعال مع مسلمي تتار القرم والإطلاع على أوضاعهم المعيشية. وقد لاقت هذه الفكرة تشجيعا وترحيبا كبيرا من أهل ومسؤولي القرى.
ففي صيف كل عام (خلال العطلة الدراسية الصيفية في أشهر 6 و 7 و 8) تنطلق رحلة القوافل لتطوف قرى ومساجد المسلمين وبالتنسيق مع كبار القرية، هذه المناطق التي تفتقر لمعلمين وأئمة مُلمين بأمور الإسلام، وتعلّم المسلمين وتعيش همومهم ومشاكلهم سعيا إلى إيجاد الحلول الناجعة لها. هذا رغم كل الصعوبات التي واجهت هذا المشروع من بعد القرى، وافتقار بعضها إلى أماكن مناسبة لسكن الطلبة.
مدة القافلة الواحدة حوالي الشهر، وتشمل فئات: الصغار والشباب وكبار السن من الذكور والإناث، موزعين على مجموعات وأوقات مختلفة. لقد أدى هذا المشروع دوره بتعليم وتدريب المسلمين من تتار القرم على كيفية الصلاة وقراءة القرآن وكسب الكثير من الآداب الإسلامية.
أهداف مشروع القوافل الدعوية:
برنامج القوافل: هو برنامج تعليمي دعوي إجتماعي، يضم مواد الفقه الأساسية من تعليم الوضوء والصلاة وقراءة القرآن الكريم وحفظ بعض السور وبعض الأحكام في الحرام والحلال، وإلقاء خطب الجمعة وبعض المحاضرات العامة، وكذلك دعوية بزيارة لشخصيات القرية وكبار السن فيها، وكذلك حضور أفراح ومآتم أهل القرية. ومع نهاية برنامج القافلة توزع الهدايا والكتب على الأطفال، كذلك تنظم رحلة سباحة واستجمام للأطفال والشباب إلى الطبيعة أو البحر.
إن تجربة الطلبة المسلمين بعد استقلال أوكرانيا في تسيير وترتيب وتنظيم مئات القوافل الدعوية رغم العديد من الصعوبات تستحق دراسة أعمق لآثارها على المجتمع المسلم في أوكرانيا.
مدارس نهاية الأسبوع الإسلامية في قرى المسلمين 1995-2005
بالتوازي مع القوافل الدعوية الصيفية، كانت تقام في أيام العطلة الأسبوعية (السبت والأحد) وخلال أشهر العام حلقات تعليمة غالبا ما تكون في المساجد أو بيوت بعض الأئمة وأحيانا في بعض المدارس الحكومية. برنامج هذه المدارس يهتم بتعليم الصغار والكبار قراءة القرآن الكريم وأركان الإيمان والإسلام وكيفية الصلاة والسيرة النبوية وبعض الآداب والأخلاق في الإسلام وذلك بإمكانات بسيطة من خلال الإستعانة ببعض الكتيبات والأشرطة، ويقوم بالتدريس في هذه المدارس عدد من الطلبة العرب والمسلمين. وقد انطلقت هذه المدارس بشكل دوري مع عام 1995م، في قرى المسلمين في القرم والدونباص بإدارة عدد من الطلاب العرب، وكان شعارها حديث النبي صلى الله عليه وسلم : "خيركم من تعلم القرآن وعلمه". رواه أبو داود والترمذي.
أهداف المدارس الإسلامية الأسبوعية:
وفي نهاية العام الدراسي تتم عملية اختيار واستيعاب المتميزين دراسيا في هذه المدارس من الفتيان والفتيات للمشاركة في المخيمات الصيفية السنوية ذات الطابع الترفيهي الثقافي المنوع، كذلك الإلتحاق للدراسة بمعهد الرضوان لتحفيظ القرآن الكريم في مدينة سيمفروبل.
ثمار القوافل والمدارس الإسلامية في أوكرانيا:
إن هذه الأنشطة تأتي ضمن خطة العمل الدعوي الشاملة في أوكرانيا في مجال التعليم والتوعية والتواجد المستمر بين الناس والتي أدارها وتبناها بشكل مميز اتحاد المنظمات الإجتماعية "الرائد" في أوكرانيا، حيث قدّمت تلك اللقاءات رسائل توعوية بشكل يلائم الشرائح المجتمعية المختلفة، مما يحقق تأثيرًا جيدًا في عملية التعليم والتواصل مع جماهير المسلمين، من خلال معايشة قضايا وهموم المسلمين التتار وتبسيط المعاني لهم وبعث الأمل في نفوسهم واستعادة قيم التراحم والمحبة والتكافل وحب الإسلام.
اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)
أوكرانيا برس
حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022