ماذا وراء قرار ترامب تجميد تمويل منظمة الصحة العالمية؟

نسخة للطباعة2020.04.24

إيليا كوسا – خبير في "المعهد الأوكراني للمستقبل"

أوقف دونالد ترامب بالفعل تمويل منظمة الصحة العالمية. ماذا يمكن أن ينتظرنا؟

كما هو الحال بالنسبة للعديد من قراراته المماثلة الأخرى، يبدو لي أن أسبابا ثلاثة لعبت الدور الأساسي هنا:

1. خصائص إدارة ترامب

ترامب يكره المؤسسات العالمية والمنظمات الدولية والقواعد والأعراف وكل ما هو متعلق بالدبلوماسية المتعددة الأطراف، التي تبدو له معقدة للغاية ومتشابكة وغير مفهومة. 

هو ينظر بنوع من الشك إلى الأمم المتحدة، معتقدا أن الجميع هناك يفكرون فقط في كيفية إلحاق الضرر بأمريكا.

هو يفكر كمدير عام لشركة  و ليس كرئيس، و بالتالي يتخذ القرارات  المبنية على منطق  إدارته للعمل. هو يعتبر الأمم المتحدة مشروعا مكلفا وخاسرا لا حاجة له وغير مجدي بالنسبة للولايات المتحدة.

ترامب يتخذ القرارات بشكل إنفعالي و مفاجئ، دون أن يكترث غالبا  في السياق الأوسع. حيث أن القطع أسهل من التفكير.

يُعرف ترامب بتشكيكه فيما يتعلق بالمساعدة المالية الخارجية  وجميع أنواع المدفوعات القسرية الطوعية  معتبرا إياها مضيعة للوقت والموارد.

تتسم سياسته الخارجية بالاقتصاد القومي المتمحور حول أمريكا هذا نوع من المركزية الأحادية  و شبه الانعزالية مع حشد الموارد في حدود الدولة. 

هو يخفض باستمرار المساعدة الخارجية المختلفة لكل من المنظمات الدولية والدول المتفرقة. ترامب في الأساس من خصوم العولمة.

2. السياسة الداخلية وانتخابات 2020

- أصبحت جائحة فيروس كورونا مشكلة كبيرة بالنسبة لترامب. حيث سُجل في البلاد رقم قياسي لطلبات البطالة وانخفاض النمو الاقتصادي ووقع أكبر تفشي للوباء مقارنة مع دول العالم.  كل هذا يضر بمركزه الانتخابي الغالي عليه، ويصرف الانتباه عن السباق الرئاسي.

تبين أن النظام الصحي الوطني لم يكن على استعداد تام لمواجهة هذا النوع من التحدي، لذا يجب إلقاء اللوم على أحد ما: مثل صحفيي Fake News أو الصين أو أوروبا أو المحللين الليبراليين أو اليساريين أو على جو بايدن أو حتى على منظمة الصحة العالمية، التي يمكن اتهامها بجميع المصائب، خصوصا وأن هذه المنظمة ليست بعيدة عن المتاعب.

صرف الانتباه عن المشكلات الداخلية و محاولة إيجاد الجناة في الخارج، هو أمر كلاسيكي.

3. المواجهة مع الصين

تعد الأرضية لمواجهة واسعة النطاق مع جمهورية الصين الشعبية من أجل الخطاب السياسي الاجتماعي لمرحلة ما بعد الوباء حول من هو المذنب ومن يجب أن يدفع.

لا أستبعد أن تنشئ الولايات المتحدة شيئا شبيها بمنظمة الصحة العالمية على نحو الوكالة الأمريكية للتنمية الدولية، التي ستعطي الجميع المال مرفقا بحزمة سياسية أو غيرها من الشروط، ستستخدم مثل هذه الأداة الجديدة، ذات التأثير العالمي، ضد الصين بالطبع.

ماذا يعني قرار ترامب عمليا؟

هذا يعني خفض ميزانية منظمة الصحة العالمية الإجمالية بحوالي 30%، التي بلغت في 2018-2019  حوالي  4.5 مليار دولار، منها 70% تبرعات من الدول والأفراد.

تشكل المساهمات الإلزامية للدول الأعضاء في الأمم المتحدة حوالي 25% من الميزانية فقط، أي حوالي 900 أو 950 مليون دولار، و لقد كانت الولايات المتحدة أكبر جهة مانحة للمنظمة وللأمم المتحدة ككل.

أعتقد أن هذا القرار يحمل أخبارا جيدة وسيئة.

الخبر السيئ: ستفقد منظمة الصحة العالمية قوتها و ستحرم الدول الفقيرة من بعض مساعدات الأمم المتحدة في أوج الجائحة و ستضعف وحدة العالم  و سيهتز النظام العالمي أكثر.

الخبر السار: قد تقود هذه الأزمة منظمة الصحة العالمية، وبمفهوم أوسع، الأمم المتحدة، إلى إعادة التفكير في دورها العالمي وإعادة هيكلة بنيتها وتحسين عملها ومواردها. وقد تبحث أخيرا عن أساليب عمل ناجعة أكثر في ظل ظروف انهيار النظام العالمي وتعيد تنظيم نفسها.

وجب القيام بهذه العملية منذ وقت طويل، وربما سيكون من الممكن استخدام مناورات ترامب الانعزالية والأنانية والانفعالية لصالحها حتى.

الأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية تتعرضان بالفعل لانتقادات كثيرة محقة. منظمة الصحة العالمية لم تتصرف دائما بشكل معقول و بالسرعة والكفاءة اللازمة. كانت هناك إخفاقات، كما وكانت هناك مشاريع أكثر نجاحا.

ولكن يبدو لي أن دور الأمم المتحدة نفسها في العالم سيصبح أوسع، بعد أن ظلت الولايات المتحدة على مدى عقود (ولا تزال من حيث المبدأ) أكبر الممولين للمنظمة. 

الآن انتهت "التقديمات المجانية" المشروطة، وحان الوقت للتفكير في كيفية العيش في عالم جديد تماما.

قناة "أوكرانيا برس" على "تيليغرام": https://t.me/Ukr_Press

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس - "كوريسبوندينت"

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022