فيروس كورونا: هل يؤدي الفيروس القاتل إلى أزمات دبلوماسية؟

نسخة للطباعة2020.02.25

على الرغم من جهود الصين لاحتواء انتشار فيروس كورنا المستجد، بدأنا نشعر بالتأثير الفوري للأزمة بشكل واضح.

أعداد صغيرة من رعايا الدول الأجنبية أصيبت بالعدوى. وتدرس حكومات تلك الدول معضلة إعادتهم إلى بلادهم على أن يُعزل مَن يحمل الفيروس فور وصوله إلى بلده.

وأغلقت بعض الدول حدودها أمام المواطنين الصينيين بشكل كامل. وفي بعض الأحيان، ظهرت مشاعر مزعجة وغير عادلة تجاه الصين والصينيين.

وبدا التأثير الاقتصادي الفوري للأزمة واضحا؛ فقد تأثرت القطاعات التي تعتمد على حركة البضائع والأفراد - مثل السياحة وشركات الطيران ومشغلي سفن الرحلات البحرية وخطوط الشحن التجارية.

وجعلت الأزمة سلسلة التوريد العالمية الخاصة بالعديد من المنتجات المهمة تحت الملاحظة؛ إذ قد تتوقّف جميع إمدادات الهواتف المحمولة والمعالجات الدقيقة وقطع الغيار لصناعة السيارات في أي وقت.

وربما يجد قطاع الخدمات، كالجامعات الأجنبية التي تقيم دورات تدريبية في الصين على سبيل المثال، أنّ دخله مهدد.

من المستحيل معرفة إلى متى سوف يستمر هذا الوضع أو تداعيات الأزمة على بكين؛ فالأمر يعتمد على ما سيحدث مع تفشي الفيروس.

وتقول بوني جلاسر، مديرة مشروع "تشاينا باور" في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية بواشنطن: "تأثير (الأزمة) على صورة شي جين بينغ في الداخل والخارج سيعتمد على مدة استمرار الفيروس وتأثير ذلك على الاقتصاد الصيني".

وتضيف: "إذا تمكن الحزب الشيوعي الصيني من السيطرة على تفشي الفيروس وإنهاء الأزمة، فستستمر قلة من الناس داخل الصين في انتقاد الحزب لاستجابته البطيئة الأولية وجهود التستر على تفشي المرض".

وقالت جلاسر إنّ العديد من الدول التي سعت إلى الحصول على استثمار من الصين كجزء من مبادرة "الحزام والطريق" ستواصل ذلك، مضيفة: "سيستمرون في الحصول على قروض صينية لمشاريع البنية التحتية حيث لا توجد مصادر تمويل أخرى".

ولكن ما الأثر الدائم للأزمة؟ وإلى أي مدى يمكن أن يغّير ذلك من صورة الصين، وخاصة الرئيس شي جين بينغ، أو الاتجاه الذي تسير فيه البلاد؟

وكيف يمكن لتداعيات فيروس كورونا التأثير على العلاقة الرئيسية بين بكين وواشنطن؟

ومع وجود مؤشرات واضحة على "حرب باردة" تكنولوجية بين الولايات المتحدة والصين، هل يمكن للتوترات المحيطة بانتشار الفيروس أن تزيد الأمور سوءا؟

لكن أولا، ما الذي أظهرته الأزمة عن الصين؟

تقول إليزابيث إيكونوم، مديرة الدراسات الآسيوية في مجلس العلاقات الخارجية، إنّه توجد روايتان مختلفتان داخل الصين.

وتستطرد موضحة: "الأولى، ويطرحها السلك الدبلوماسي الصيني، أنّ الصين اتخذت تدابير استثنائية لاحتواء الفيروس - من أجل شعبها وكهدية لبقية العالم".

ويقولون إنّ هذه الإجراءات "يتمّ تفعيلها من خلال النموذج السلطوي القائم في البلاد".

لكن هناك رواية ثانية مفادها أنّ الصين "فقدت وقتاً ثميناً في معالجة الأزمة بسبب نظامها السياسي وتصميمها على إسكات الأصوات المستقلة"، وأنه "تحت حكم شي جين بينغ، أصبح المسؤولون المحليون أكثر خوفاً من الإقرار بأنّ الأمور لا تسير على ما يرام. وقد أعاق هذا أيضاً الاستجابة الفعالة".

وتقول إليزابيث إكونومي، المتخصصة في الشؤون الصينية، إن ما وجدته يثير القلق، مشيرة إلى "أنه حتى في أعقاب وفاة الدكتور لي وين ليانغ، يستمرّ الحزب الشيوعي في تعقب الأصوات المستقلة".

نظر الكثيرون في الصين إلى الدكتور لي وكأنه بطل لأنه أول من حذر من التهديد الذي يمثله تفشي فيروس ووهان. لكنه لم يستطع التغلب عليه.

وتقول إيكونومي: "كنا نأمل ان تنبه وفاته - والاستجابة الشعبية له - القيادة الصينية إلى أهمية الشفافية ووجود مجتمع مدني أكثر انفتاحا في التعامل مع أزمة ضربت جميع أنحاء البلاد".

وتشير إلى أنها لا تعتقد أنّ فيروس كورونا سيغير من تصورات الحكومة الصينية، بل "سيغذي ببساطة المعتقدات الموجودة؛إذ سيثني المؤيدون على آلية تفعيل الموارد (لمواجهة الأزمة)، بينما سيركز المنتقدون على غياب الشفافية والقلق بشأن دقة المعلومات المتاحة في الصين".

وعلى الصعيد الاقتصادي، ربما يكون مهمًا الحديث عن الأمور التي نعرفها عن الفيروس وانتشاره.

فقد أظهر الوباء أهمية الصين بالنسبة للاقتصاد العالمي، وضرورة تنويع سلاسل التوريد الخاصة بمختلف المنتجات.

"ربما يشجع المزيد من الشركات على عدم الاعتماد على الصين بشكل كبير في مجال التصنيع، وكذا بالنسبة للاعتماد بشدة على السوق الاستهلاكية الصينية،" بحسب إليزابيث إيكونوميك.

في المؤتمر الأمني السنوي الأخير الذي حضرتُه في ميونيخ، ظهرت أزمة فيروس كورونا وتأثيرها المحتمل على العلاقة المتوسطة والطويلة الأجل بين واشنطن وبكين في الكثير من جلسات النقاش.

وأخبرني إيان بريمر، مؤسس وكبير الاستراتيجيين في مجموعة أوراسيا، وهي الشركة الرائدة في مجال المخاطر السياسية والاستشارات، أنّ الأزمة قد تعيد تشكيل العلاقات التجارية بين الولايات المتحدة والصين بشكل كبير، ولكن ليس بالضبط للأسباب التي ربما يفكر فيها الكثير من الناس.

وقال: "تفكر الشركات الأمريكية، منذ فترة طويلة، في الحد من اعتماد سلاسل التوريد على الصين في ظل تزايد أعمال المناكفة التجارية، بالإضافة إلى اليد العاملة الصينية التي ترتفع كلفتها وتصبح غير فعالة بشكل متزايد".

ومع انتشار فيروس كورونا "ربما لدى الشركات الأمريكية الآن العذر الذي تحتاجه للقيام بهذه الخطوة. وهذا مثال قاسٍ، لكنه احتمال حقيقي للغاية، في حال استمرّ فيروس كورونا في خلق حالة من الفوضى".

وقال "على الأقل فإن فيروس كورونا يجعل من غير المحتمل بدرجة كبيرة أن تكون الصين قادرة على تنفيذ المرحلة الأولى من الصفقة التجارية التي وقعتها مؤخراً مع الولايات المتحدة بشكل كامل"، وهو ما قد يؤثر على طبيعة العلاقة بين الجانبين.

وتتفق بوني جلاسر مع فكرة أنّ الصين ستواجه صعوبة في الوفاء بالالتزامات التي تعهدت بها في صفقة "المرحلة الأولى". لكنها تقول: "من المحتمل أن تخفض الولايات المتحدة قليلاً مستوى الركود في بكين".

وأضافت: "مع التركيز على إعادة انتخابه، سيحتفل الرئيس ترامب بإنجازه ويسعى للحفاظ على علاقات جيدة مع شي، بينما يتعهّد بتحقيق المزيد من التقدم في ‘المرحلة الثانية‘. ستكون 2020 سنة عدم التغيرات".

ونرى هنا التقاطع المهم بين الاقتصاد والدبلوماسية والسياسة الداخلية، فلكل منها دور في العلاقة بين واشنطن وبكين، ولكن الأهمية النسبية لكل عامل تختلف باختلاف الظروف.

ويقول إيان بريمر، إنّ "ترامب كان إيجابيا نوعا ما حتى الآن بشأن تعامل الرئيس شي مع الوضع".

وأوضح أن "ذلك الموقف يعود، إلى حد كبير، إلى أنّ ترامب محمي نسبياً من تداعيات أزمة فيروس كورونا".

لكن ذلك قد يتغيّر بسهولة، بحسب بريمر، الذي أضاف: "إذا بدأ فيروس كورونا يؤثر اقتصادياً بشكل حقيقي على الولايات المتحدة - وفي أقل من سنة انتخابية - فمن المرجح أن نرى الرئيس ترامب يلاحق الرئيس شي بشراسة أكبر".

ويوضح أن ذلك "لن يقتصر على تصريحات فارغة من المضمون؛ إذ نظرا للتشدد بين الحزبين (الجمهوري والديمقراطي) بشأن الصين هذه الأيام، فإنّ قرار ترامب بهجوم على الرئيس شي سيكون له تأثير حقيقي على العلاقة بين اثنتين من القوى الاقتصادية العظمى".

وقد كانت مشاعر العداء تجاه الصين واضحة خلال مؤتمر ميونيخ؛ إذ ترأست رئيسة مجلس النواب الأمريكي، نانسي بيلوسي، وفداً كبيراً من الكونغرس وكانت صريحة ضد الصينيين، وخاصة في ما يتعلق بالتنافس التكنولوجي.

لكن الأمر لم يكن مرتبطا فقط بالتجارة أو التكنولوجيا، بل ظهر عنصر أيديولوجي واضح.

وفضّل مارك إسبر، وزير الدفاع الأمريكي ، الإشارة إلى تصرفات "الحزب الشيوعي الصيني" بدلاً من "الصين".

وبالتالي، فإنّ أزمة فيروس كورونا قادرة على التسبب بتفاقم المناخ المتدهور أصلا بين واشنطن وبكين. وقد يكون لذلك عواقب أوسع بكثير، ليس أقلها بالنسبة للأوروبيين (أو في الحقيقة بالنسبة لحلفاء واشنطن في آسيا) ، الذين سيعلقون في الوسط.

وسألتُ إيان بريمر عمّا إذا كان ما رأيناه في ميونيخ - التدخل القوي من جانب نانسي بيلوسي ووزيرة الخارجية مايك بومبيو ووزير الدفاع إسبر - يرقى إلى إعلان "حرب باردة عالية التقنية" عالمية جديدة بين الولايات المتحدة والصين، أجاب بالقول: "الأمر قريب من ذلك".

لكنه أكد أنّ الأوروبيين ليس لديهم مصلحة في البقاء وسط هذه الحرب الباردة.

وقال: "في الواقع، هذه هي المرة الأولى التي ترى فيها الأميركيين والأوروبيين يختلفون بهذا الشكل حول ما ينبغي أن يكون همّاً من هموم الأمن القومي الرئيسية".

وهذا بدوره قد يكون له تأثير عميق على العلاقة المتوترة بالفعل إلى حدّ ما بين الولايات المتحدة وبعض شركائها في حلف الناتو.

وأخبرني بريمر: "بقدر استعداد الأميركيين لحرب باردة في مواجهة الصين للتكنولوجيا"، يبدو أنّ الأمر في الوقت الراهن يشبه "حربا باردة" ثنائية بدلاً من حرب عالمية. و"بما أنّ الأميركيين بدأوا بالفعل في التركيز على آسيا في ما يتعلق بالمسائل الأمنية والأوروبيين لا يفعلون ذلك، فمن المحتمل أيضاً أن تسوء الأمور في ما يتعلق بالعلاقات عبر الأطلسي".

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

بي بي سي

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022