من أطفال "الحولة" إلى أطفال أوكرانيا والعالم، مع المحبة...

من أطفال "الحولة" إلى أطفال أوكرانيا والعالم، مع المحبة...
صورة تظهر بعض الأطفال الذين قضوا بمجزرة الحولة في سوريا
نسخة للطباعة2012.06.01

بقلم: محمد صفوان جولاقرئيس التحرير

أصدقائنا الأعزاء، أطفال أوكرانيا والعالم...

نحن أبناء قرية "الحولة" القريبة من مدينة حمص السورية، نوجه إليكم هذه الرسالة من مكان لا تعرفونه إلا بالاسم والصفات، فيه نطير بأجنحة كالملائكة، نلعب ونرمح، وكأن شيئا لم يكن...

كنا قبل أيام مثلكم، نعيش في الدنيا كما تعيشون، نتنفس هوائها، ونركض ونقفز بين سمائها وأرضها.

كنا قبل أيام نحلم كما تحلمون، بمستقبل واعد مشرق، كأطباء ومهندسين ومعلمين وعمال وموظفين، وكان منا من بدأ مشواره نحو حلمه بتعلم الحروف والأرقام، ومنا من لم يبدأ.

كنا وإياكم شركاء في مرحلة البراءة، التي تهتم بحمايتها والحفاظ عليها دول ومنظمات، ومؤسسات وهيئات، وبرامج وحملات.

لم نكن نميز قبل أيام بين الحرب والسلام، ولا بين العدو والحبيب، ولا بين شرير وطيب، لأنها أمور لم تكن تشغلنا كما يفعل اللعب والدراسة وبرامج الأطفال، وكنا نعتبرها أمورا تعني الكبار، من الآباء والأمهات والأعمام والعمات، والأجداد والجدات.

أصدقائنا الأعزاء، أطفال أوكرانيا والعالم...

لقد علمتنا المدرسة – كما علمتكم – أن المنشار يستعمله العم منصور النجار، وأن الفأس أداة يستخدمها الفلاح في الحقول، وأن الجندي البطل يدافع عن الوطن بالسلاح، وكانت أمهاتنا توبخنا في كل مرة نمسك فيها سكينا ونلوح بها.

كنا نعلم أن جميع هذه الأدوات مؤذية لنا، ولذلك حذرنا كثيرا منها، حرصا على سلامة أجسامنا من أي جرح أو حتى خدش، لكننا لم نعلم أن لها استخدامات أخرى غير تلك التي تعلمنا.

دخل علينا قبل أيام رجال لم نعرفهم، ببنادق وأسلحة وسكاكين وفؤوس، أثاروا الصرخات والرعب من حولنا، فخفنا وصرخنا وبكينا كعادة الأطفال، لكننا لم نكن قادرين على فهم حقيقة ما يحدث وما سيجري.

اقترب بعضهم من بعضنا، فوضعوا سكاكينهم على رقابنا ورقاب ذوينا، وصوبوا نيران أسلحتهم وضربات فؤوسهم إلى رؤوسنا ورؤوسهم، إلى أجسامنا وأجسامهم، وعندها فقط رأينا كيف أن تلك الأدوات تستخدم هذه المرة للقتل، كما لم نتخيل من قبل.

كانت تلك لحظات في غاية الصعوبة، بدئا من ضغط السكين، ومرورا بتفجر الدماء وضيق النفس، وانتهاء بالموت؛ وكل هذا وسط حالة من الخوف والهلع والذعر، وأصوات التوسل والنحيب التي لا تجاب.

عشنا قسوة ومرارة وأحزان جميع مراحل الحياة خلال دقائق معدودات، وأدركنا بعدها أننا قتلنا عدة مرات، مرة بالخوف الذي عصف بأجسامنا، ومرة بالصدمة لرؤية مشاهد القتل والذبح من حولنا، ذبح إخواننا وأخواتنا، وآبائنا وأمهاتنا، ثم بالسكاكين والفؤوس والرصاصات تمزق وتقطع أجسامنا.

أصدقائنا الأعزاء، أطفال أوكرانيا والعالم...

نحن نعلم جيدا من قتلنا، لكننا لا نستطيع إيصال أصواتنا من عالمنا الجديد لتشهد، ونأسف لأننا سمعنا أن الدول والمنظمات والمؤسسات والهيئات لا تعرف من القاتل، أو لا تريد أن تعرف، أو حتى تتستر عليه.

ولهذا يا أصدقاء، نوجه إليكم رسالتنا، آملين أن نحظى بسند منكم ودعم، بعد أن تبخرت آمالنا وضاعت ثقتنا بالكثير ممن يدعي حمايتنا.

تذكرونا، ادعوا لنا ولأهالينا بالرحمة، أشعلوا الشموع حزنا على المجزرة التي حدثت بحقنا، علها تدفئ برودة الإنسانية العالمية، وتنير درب الباحثين عن الحقيقة، لمحاسبة قتلة ماتت في نفوسهم الضمائر والمشاعر والأحاسيس.

وفي الختام، نتمنى أن لا تروا في حياتكم ما رأينا، وأن لا تسمعوا ما سمعنا، وأن تحققوا أحلامكم التي ما حققنا، مع المحبة...

ملائكة الحولة

أوكرانيا برس

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

العلامات: 

التعليقات:

(التعليقات تعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس")

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022