محطة للطاقة الشمسية قد تعيد الحياة إلى موقع كارثة تشرنوبل في أوكرانيا

نسخة للطباعة2017.02.03

تعتزم الحكومة الأوكرانية تحويل جزء من المنطقة المحظورة في تشرنوبل إلى محطة للطاقة الشمسية. فهل يمكن للموقع الذي شهد أسوأ حادث نووي في العالم أن يعود إلى الحياة مجددا؟

في أبريل/نيسان عام 1986، تعرض مفاعل تشرنوبل للطاقة النووية لحادث انصهار كارثي. وأدى الانفجار الناتج عن ذلك إلى تسرب جزء من محتويات المفاعل النووي إلى الغلاف الجوي، محدثا أسوأ حادث نووي في التاريخ.

ونتج عن ذلك التسرب الإشعاعي، الذي وصل جزء منه إلى مناطق بعيدة مثل ويلز في المملكة المتحدة، إقامة منطقة حظر واسعة حول تشرنوبل.

وتغطي منطقة الحظر حاليا مساحة 1,000 ميل مربع (2,600 كم مربع)، بما فيها منطقة كان يقطنها 12 ألف نسمة من السكان، عاش معظمهم في مدينتي برايبت، وتشرنوبل المهجورتين الآن. ولا يزال الحظر في هذه المناطق ساريا، لأنها تعتبر شديدة التلوث، ولا تصلح للسكن أو الزراعة.

ورغم حادث الانصهار الذي أصاب المفاعل رقم "4" في محطة تشرنوبل، استمرت السلطات في تشغيل المفاعلات النووية رقم "1"، و"2"، و"3" بالمحطة، لأن أوكرانيا في حاجة ماسة إلى الطاقة. واستغنت السلطات عن المفاعل رقم "3" في ديسمبر/كانون الأول عام 2000 فقط.

وبغض النظر عن وجود عدد قليل من المناطق ذات نسب الإشعاع المرتفعة، والتي تعرف بـ "المناطق الساخنة"، أصبحت منطقة تشرنوبل المحظورة منطقة آمنة نسبيا للزيارة حاليا، لكن بشرط أن تكون الزيارة إليها سريعة، حتى لا يتعرض الأشخاص إلى الإشعاع لفترة طويلة من الوقت.

ونظرا للاهتمام الكبير بالمنطقة، إضافة إلى التنوع البيولوجي الفريد الذي تتميز به، أُعلنت منطقة تشرنوبل المحظورة منطقة جذب سياحي بشكل رسمي في عام 2011.

ومع نجاح تجربة إقامة غطاء جديد من الخرسانة والفولاذ فوق المفاعل المتضرر، بهدف إغلاقه بإحكام لمدة 100 عام على الأقل، فمن المتوقع أن يشهد ذلك الموقع نشاطا متزايدا.

وفي وقت سابق من هذا العام، أعلن أوستاب سيميراك، وزير البيئة والموارد الطبيعية في أوكرانيا، عن خطط لبناء محطة كبيرة للطاقة الشمسية في منطقة تشرنوبل المحظورة.

وقال متحدث باسم الوزارة: "إن المرحلة الأولى ستشهد تركيب ألواح شمسية بطاقة إجمالية تبلغ واحد غيغاوات. وهناك خطط لزيادة طاقتها في المستقبل".

ويولد حقل كبير بمساحة 25 فدانا من الألواح الشمسية ما يقرب من 5 ميغاوات من الطاقة. ولتقريب الصورة، فإن مساحة ملعب مانشستر يونايتد البريطاني لكرة القدم التي تبلغ 1.75 فدانا يمكن أن تولد 0.35 ميغاوات فقط.

لذا، ولكي تولد محطة طاقة شمسية طاقة بمقدار واحد غيغاوات، ستحتاج إلى منطقة تبلغ مساحتها 5,000 فدان، أي ما يعادل ثمانية أميال مربعة تقريبا. ولحسن الحظ، فإن هناك الكثير من الأراضي المتاحة في تلك المنطقة.

وهناك ما يبرر فكرة إنشاء محطة للطاقة الشمسية في تلك المنطقة المحظورة، إذ يقول المتحدث باسم وزارة البيئة والموارد الطبيعية: "يستند القرار إلى وجود شبكة من خطوط الطاقة الكهربائية التي يمكن أن تستوعب مزيدا من الأحمال، والتي تقع في مكان قريب يسمح بربطها بشبكة الطاقة الشمسية الجديدة بأقل تكلفة".

وإلى جانب البنية التحتية ذات الجهد العالي الموجودة بالفعل، هناك أناس مدربون على تشغيل محطة الطاقة الشمسية لتوليد الكهرباء. كما أن استخدام تلك الأراضي للزراعة أصبح أمرا غير ممكن بسبب ما خلفه المفاعل النووي المتضرر من بقايا، وما أحدثه من تأثيرات في تلك البقعة.

ويقول آلان تومسون، المدير العالمي لمؤسسة آروب للطاقة: "الألواح الشمسية معقدة نسبيا في صنعها، لكنها سهلة نسبيا في شكلها ومقاومتها للتلف". وهذا يجعل الألواح الشمسية مثالية لتوليد الطاقة في المناطق النائية التي يصعب الوصول إليها.

وهناك أكثر من 40 نوعا مختلفا من تكنولوجيا الألواح الشمسية، وبينما تعمل بنفس الطريقة من حيث الفعالية، إلا أن بعضها أكثر كفاءة.

وفي حالات مثل تلك المنطقة المحظورة في تشرنوبل، حيث توجد مساحات كبيرة، من المرجح أن تبحث الحكومة الأوكرانية عن وسائل فعالة لاستخدام الأنواع الأكثر متانة من تكنولوجيا الألواح الشمسية.

وسيتم تحديد الحل المثالي بمجرد الانتهاء من دراسة الجدوى. وتقع منطقة تشرنوبل المحظورة على نفس خط العرض الذي يمر بجنوب انجلترا تقريبا. وهذا الموقع يوفر توليد طاقة شمسية ممتازة خلال أشهر الصيف، ولكن على نحو أقل خلال فصل الشتاء.

ومع ذلك، فإن بناء محطة للطاقة الشمسية قادرة على توليد واحد غيغاوات في تلك المنطقة، ستنتج عنه سلسلة تحديات هندسية.

وستكون أول مهمة رئيسية في ذلك المشروع هي تحديد المكان المثالي لبناء محطة الطاقة الشمسية. فهنالك عدة نقاط يتعين أخذها في الاعتبار، والقضية الأولى المهمة هنا هي الحاجة إلى تجنب المناطق ذات نسب الإشعاع العالية، والتي تعرف بالمناطق الساخنة إشعاعيا.

وقد حُددت أماكن هذه البقع الساخنة بشكل موثوق. ورغم أن الألواح الشمسية لن تتأثر بها، فإن هناك دائما إمكانية لتعرض العمال لمستويات عالية من الإشعاع أثناء تركيب تلك الألواح، أو أثناء القيام بأعمال الصيانة لاحقا، سواء في الموقع، أو خلال التنقل داخل تلك المنطقة المحظورة.

وبما أن النظائر المشعة التي نتجت عن حادث تشرنوبل قد تسربت الآن إلى التربة، يتعين على المهندسين أن يتفادوا إثارة الأتربة في ذلك المكان قدر الإمكان.

ويقول تومسون: "إن المفاتيح العملاقة التي تتخذ شكلا لولبيا، وتستخدم للتمهيد لوضع الأساسات بدلا من حفر مساحة تتسع لكتلة كبيرة من الخرسانة"، قد تكون إحدى الطرق الفعالة لتركيب الألواح دون إثارة الأتربة بصورة كبيرة.

وهناك قضية أخرى وهي الحفاظ على نظافة الألواح الشمسية كي تعمل بأكبر قدر من الكفاءة. ونظرا إلى البيئة المحيطة، يتعين تثبيت الألواح الشمسية بزاوية 30 درجة كي تعمل على التخلص من الثلوج على سطحها، وهو أيضا أمر له تأثير مساعد على نظافة الألواح عندما تنزلق الثلوج عنها.

كذلك، هناك طلاء خاص يُستخدم في صناعة العديد من الألواح الشمسية ويجعل تجمع الغبار عليها مشكلة أقل شأنا عما كان عليه الأمر في الماضي.

وستحتاج محطة الطاقة الشمسية أيضا إلى محول لزيادة إنتاجيتها من الكهرباء إلى 750 فولت، وهو ذلك القدر من الطاقة الذي تستخدمه حاليا شبكة الطاقة الأوكرانية.

ويقول تومسون: "إن إنتاج الطاقة من محطة الطاقة النووية لا يمكن مقارنته بإنتاج الألواح الشمسية من الطاقة. إذ يتعين وضع نوع ما من المحطات الفرعية لزيادة القدرة التحويلية".

لكن بناء محطة فرعية جديدة قد ينطوي على حفر أساسات في الأرض، وهو ما قد يؤدي إلى إثارة المكونات الملوثة الكامنة في التربة.

وستكون هناك أيضا اعتبارات بيئية أخرى بسبب الاهتمام الكبير بمسألة التنوع البيولوجي في المنطقة التي بدأت تتعافى من حادث 1986.

فمنذ وقوع الكارثة، عندما تم إجلاء مئات الآلاف من السكان، أصبحت منطقة تشرنوبل المحظورة ملاذا للحياة البرية. فقد ازدهرت الحيوانات الموجودة هناك وعادت أنواع نادرة منها إلى تلك المنطقة، مثل خيول برزفالسكي.

ومن المزايا الرئيسية لمحطة الطاقة الشمسية تلك هي أنه يمكن مراقبتها وفحصها عن بعد، مما يعني أنه لن تكون هناك حاجة لأن يقوم الموظفون في الموقع بعمليات المراقبة، إذ يمكن فحص الألواح الشمسية من خارج الموقع لتقييم أدائها.

وعندما تكون هناك حاجة لاستبدال عدد معين من الألواح الشمسية، يمكن إرسال فريق صيانة مع تفاصيل دقيقة عن الألواح التي يتعين استبدالها، وأين يمكن العثور عليها، مما يقلل من الوقت الذي يقضيه الفريق في تلك المنطقة المحظورة.

ومن أكبر مشاكل الألواح الشمسية هي أنها تولد الطاقة خلال فترة النهار فقط عند وجود آشعة الشمس، وهي بطبيعة الحال أقل بكثير خلال أشهر الشتاء.

ويمكن تعويض ذلك عن طريق تخزين أي طاقة زائدة تولدت خلال النهار. وإحدى الطرق لتحقيق ذلك من خلال استخدام خزان مضخة محطة الطاقة الكهرومائية الواقعة في مدينة دنيستر القريبة، والتي يتوقع أن يكتمل تجهيزها هذا العام.

وبالنظر إلى المستقبل، لن يكون مستغربا إذا استخدمت أشكال أخرى من الطاقة المتجددة. ويقول المتحدث باسم الوزارة: "يعد تنفيذ مشاريع الطاقة الشمسية أحد أولويات التنمية لمنطقة الحظر في تشرنوبل، مع عدم استبعاد أشكال أخرى من توليد الطاقة إذا كانت جذابة للمستثمرين، مثل طاقة الرياح والوقود الحيوي".

ويقول تومسون: "في مرحلة ما، سترغب السلطات الأوكرانية في النظر في مزيج من أشكال توليد الطاقة للحصول على ذلك التنوع. فيمكن لمحطات الرياح توليد الطاقة المطلوبة عندما لا تتمكن محطات الطاقة الشمسية من ذلك في أوقات الليل على سبيل المثال".

ويضيف: "بيد أن مزارع الرياح لها مشاكلها الخاصة بها، وأبرزها الأساسات التي ينبغي تشييدها والتي يمكن أن تتسب في إثارة الأتربة الموجودة في تلك المنطقة، وهي بالطبع لا تناسب منطقة الحظر ذات النشاط الإشعاعي".

ويقول المتحدث باسم الوزارة إن الحكومة الأوكرانية حاليا في "مرحلة ما قبل الدراسة والإعداد"، ودخلت في مفاوضات مع شركات الاستثمار، وشركات تطوير الطاقة من أجل تأمين التمويل اللازم.

ويضيف: "يمكن لمنطقة الحظر في تشرنوبل أن تظهر على السطح مجددا، بعد ثلاثين عاما من الحادثة، لتصبح مركزا لقطاع الطاقة الأوكرانية".

ومع تطور هذه المحطة الضخمة للطاقة الشمسية، ستستعيد منطقة تشرنوبل مكانتها كأساس لإمدادات أوكرانيا من الطاقة، لكن هذه المرة ستكون في شكل أكثر أمانا، وأكثر وعيا بالسلامة البيئية.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

بي بي سي

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022