زيارة الرحالة ابن بطوطة إلى شبه جزيرة القرم

نسخة للطباعة2011.04.22

بقلم: د. أمين القاسم - القرم

محمد بن عبد الله بن محمد الطنجي عرف بابن بطوطة، ولد في 1304 في مدينة طنجة المغربية، وتوفي فيها في العام 1377م، وهو رحالة ومؤرخ وقاضي وفقيه، لقب بأمير الرحالة المسلمين.

انطلق ابن بطوطة برحلته عام 1324 من المغرب إلى مكة المكرمة، ثم زار الشام وبلاد فارس وآسيا الصغرى وحوض الفولجا وبلدان أخرى، وأمضى ثلاثين عاما في رحلاته الكثيرة.

وقد دون رحلاته في كتابه (تحفة النظار في غرائب الأمصار وعجائب الأسفار) ومنها اقتبست نصوص هذه المقالة، التي أتحدث لكم فيها عن رحلته إلى شبه جزيرة القرم، وتجواله في مدنها وحديثه عنها، وعن كثرة علمائها وفقهائها، وزيارته للسلطان أوزبك خان، ووصف مملكته الكبيرة وكرمه وحبه للعلم.

يذكر المؤرخون أن الدولة بلغت أوج ازدهارها في عهد أوزبك خان، و أن إمارة موسكو والأقاليم الروسية المجاورة كانت تدفع الجزية لمدة طويلة بلغت قرنين ونصف لسلاطين القبيلة الذهبية.

وانتقل رحالتنا من الشواطئ التركية على البحر الاسود شمالا إلى الضفة الأخرى في القرم (بمدينة كيرتش حاليا)، يقول: "وقصدنا مرسى الكرش، قلت لصاحب المركب: أريد أن أنزل ههنا فأنزلني بالساحل، ورأيت كنيسة فقصدتها فوجت بها راهبا، وبتنا تلك الليلة بالكنيسة وطبخنا دجاجا".

وانتقل ابن بطوطة راكبا الفرس إلى مدينة (فيادوسيا) كما تسمى الآن، وذكر التنوع السكاني والتسامح الديني في المدينة، وأن أغلب سكانها من أهل مدينة جنوة الإيطالية التجارية، يقول: "وصلنا إلى مدينة الكفا وهي مدينة عظيمة مستطيلة على ضفة البحر، يسكنها النصارى وأكثرهم الجنويون ولهم أمير، ونزلنا منها بمسجد المسلمين".

ويضيف: "وطفنا بالمدينة فرأيناها حسنة الأسواق، ونزلنا إلى مرساها فرأينا مرسى عجيبا به نحو مائتي مركب ما بين حربي وسفري صغيرا وكبيرا، وهو من مراسي الدنيا الشهيرة".

وينتقل غربا إلى مايسمى اليوم (ستاري كريم)، فيقول: "ثم سافرنا إلى مدينة القرم، وهي (بكسر القاف وفتح الراء) مدينة كبيرة حسنة من بلاد السلطان المعظم محمد أوزبك خان وعليها أمير من قبله اسمه تلكتمور. وكان أحد خدام هذا الأمير قد صحبنا في طريقنا فعرفه بقدومنا فبعث إلي مع إمامه سعد الدين بفرس، ونزلنا بزاوية شيخها زاده الخرساني فأكرمنا هذا الشيخ ورحب بنا وأحسن إلينا، وهو معظّم عندهم، ورأيت الناس يأتون للسلام عليه من قاض وخطيب وفقيه وسواهم".

ويتحدث عن شيوخ وعلماء القرم ومسجدها الجامع وأميرها والذي يسمى اليوم مسجد (أوزبيك)، فيقول: "ولقيت بهذه المدينة قاضيها الأعظم شمس الدين السائلي قاضي الحنفية، ولقيت بها قاضي الشافعية وهو يسمى بخضر، والفقيه المدرس علاء الدين الآصي، وخطيب الشافعية أبا بكر؟، وهو الذي يخطب بالمسجد الجامع الذي عمره الملك الناصر رحمه الله بهذه المدينة، والشيخ الحكيم الصالح مظفر الدين، وكان من الروم فأسلم وحسن إسلامه، والشيخ الصالح العابد مظهر الدين وهو من الفقهاء المعظمين، وكان الأمير تلكتمور مريضا فدخلنا عليه فأكرمنا وأحسن إلينا".

أما المسجد الجامع الذي بناه الملك الناصر (ويذكر الأمير عمر طوسون في كتابه عن حرب القرم أن هذا الملك هو المنصور قلاوون، الذي حكم من سنة (1279-1290م)، فيقول عنه: "في سنة 686 هـ الموافق 1287م أرسل سلطان مصر مهندسا معماريا و2000 دينار إلى عاصمة هذا البلد لبناء مسجد بها وتسميته باسمه".

وأعتقد أن هذا المسجد هو مسجد بيبرس الحالي المهدم أو مسجد آخر دمره الروس بعد دخولهم للقرم غير موجود حاليا.

ويصف الرحالة ابن بطوطة حال سكان القرم ويسميهم (هؤلاء الأتراك)، ويصف أنواع أطعمتهم وعاداتهم وأحوال نسائهم فيقول عن طعامهم: "لحوم الخيل وهي أكثر مايأكلون من اللحم ولحوم الأغنام".

ويقول عن السلطان المعظم محمد أوزبك خان: "وهذا السلطان عظيم المملكة شديد القوة كبير الشأن رفيع المكان قاهر لأعداء الله أهل قسطنطينية العظمى، مجتهد في جهادهم، وبلاده متسعة ومدنه عظيمة، وهو أحد الملوك السبعة الذين هم كبراء ملوك الدنيا وعظماؤها".

ويصف النساء من زوجات السلطان أوزبك بقوله: "وكل خاتون منهن تركب في عربة، وللبيت الذي تكون فيه قبة من الفضة المموهة بالذهب أو الخشب المرصع، وتكون الخيل التي تجر عربتها مجللة بأثواب الحرير المذهب، والخاتون قاعدة في عربتها وعن يمينها امرأة من القواعد تسمى أولو خاتون، ومعنى ذلك الوزيرة وعن شمالها امرأة من القواعد أيضا تسمى كجك خاتون ومعنى ذلك الحاجبة".

ويغرق في وصف اللباس الحريري والجواهر والذهب الذي عليهن.

ثم يكمل ابن بطوطة سفره في بلاد السلطان في أقاليم روسيا والقوقاز، والذي يلفت نظرنا أن بلاد القرم في القرن الرابع عشر الميلادي كانت عامرة غنية بمدنها التجارية وعلمائها و قرائها، ويعيش فيها المسلمون والنصارى جنبا إلى جنب بود وتفاهم.

مركز الرائد الإعلامي

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

التعليقات:

(التعليقات تعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس")

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022