القاسم يروي ما شاهده وأحس به "في أحضان إزابيلنايا" (صور)

القاسم يروي ما شاهده وأحس به "في أحضان إزابيلنايا"
صورة التقطها القاسم لجمال طبيعة القرية وغناها
نسخة للطباعة2012.04.20

بقلم: د. أمين القاسم - القرم

هادئة.. جميلة.. ساحرة.. وديعة.. إحدى ملكات جمال الطبيعة.

قرية الطبيعة الخلابة، ذات مناظر رائعة تحفها غابات الصنوبر والسرو والسنديان، وتحيط بها الجبال الخضراء الشامخة، وتنتشر حولها الجداول المائية الصغيرة، التي تزداد غزارة مع بداية الربيع وذوبان الثلوج على سفوح الجبال متدفقة نحو البحيرات الطبيعية الصغيرة المحفوفة بالورد الجوري وأزهار الخزامى والأعشاب الجبلية ذات الروائح العبقة العطرة، والنسيم العليل الهادئ في الصيف، وأصوات العصافير والبلابل الزاهية الألوان و المياه العذبة التي تروي مدينة ألوشتا. والقرية صورة مصغرة عن القرى الجبلية المنتشرة في جنوب شبه جزيرة القرم، ونموذج كامل للفتنة والإبداع الإلهي في أسمى مظاهرها وهدية الخالق العظيم للطبيعة الساحرة.

تقبع قرية إزابيلنايا في حضن الريف الجنوبي القرمي بين التلال الخضراء، على بعد 8 كم من مدينة ألوشتا- وتتبع لها- و40 كم من مدينة سيمفروبل عاصمة إقليم القرم، ويقطنها حاليا حوالي 2300 شخص.

تربض في الوادي بين جبال ثلاث جبل (تشاتير داغ) بارتفاع يصل إلى 1523م شمالا، وجبل (ديمرجي) يصل إلى 1360 م شرقا، وجبل (يايلى) بقمته (رومان كوش) البالغة 1545م غربا، والبحر الأسود مع مدينة ألوشتا جنوبا.

وفي ربوع القرية تنتشر مزارع جميلة من أشجار التفاح والإجاص والسفرجل والكرز والتين واللوز والتوت، عدى عن الحقول الواسعة من كروم العنب.

وفي القرية شوارع ضيقة وممرات وأزقة متعرجة تتوزع على أطرافها بيوت قديمة صغيرة ذات حدائق كبيرة تمتلئ بأنواع الورود ودالية العنب وأشجار الفواكه، وعليها تتراقص الفراشات الجميلة والعصافير الشدية.

اتجهت عائدا من القرية – بعد رحلة قصيرة وممتعة فيها- إلى مدينة سيمفروبل بالحافلة الكهربائية (التروليبوس)، وأنا أسترجع كل المعلومات والتفاصيل التي قرأتها وسمعتها عن القرية من أبنائها، متأملا جمال الطبيعة الآسر للقلوب، مستذكرا ماقاله كبار السن عن معانات وإصرار الإنسان القرمي المسلم على التمسك بأرضه وحقه في العيش فيها والعودة إليها.

تعود نشأت القرية إلى القرن الخامس عشر الميلادي، أيام خانية (مملكة) القرم الإسلامية، والتي ازدهرت في عهدها القرية وبني فيها مسجدان بمآذن جميلة نحيلة – ليس لهما أي أثر الآن- ثم دخلت تحت الإمبراطورية الروسية عام 1783م عند احتلال القرم، وتحت الحكم الشيوعي في يناير 1918م.

ومما يذكر من تاريخ القرية مشاركة أبنائها من الشباب المسلم في الحرب العالمية الثانية (1939 - 1945م)، وتذكر المصادر التحاق 113 من شبابها على جبهات القتال في الجيش السوفيتي الأحمر.

لقد كان سكان القرية يعيشون في سفوح الجبال المجاورة لموقع القرية الحالي ببيوت متناثرة، حتى قام أحدهم ونزل إلى الوادي وبنى بيتا واستقر فيه ويدعى "بكر الأعور" فسميت القرية باسمه " كور بك" كأول رجل سكن في القرية، وبقيت تسمى كذلك حتى عام 1945م حين قام الروس الشيوعيون بتغيير أسماء القرى والمدن القرمية إلى أسماء جديدة روسية، ومازال تتار القرم يذكرونها بهذا الاسم.

وقد بلغ عدد سكان القرية عام 1926م - قبل التهجير القسري لتتار القرم إلى وسط آسيا – حوالي 2109 شخص، منهم 2085 قرمي تتري، و15 أوكراني، و7 روس، أما اليوم فنسبة القرميين المسلمين في القرية تقل عن 35%.

وعاد إلى القرية مع بداية التسعينات من القرن الماضي عدد لابأس به من كبار السن الذين ولدوا فيها، ومنهم الحاج عبد الرشيد غفاروف البالغ من العمر 78عاما والمولود في كور بيك - هجر منها عام 1944م وعاد إليها بعد 47 سنة- والذي نزلت في ضيافته بمنزله المتواضع، وكان عنده اثنين من كبار القرية، الحاج عبد الستار آغا (مواليد 1924م) وهو أكبر سكان القرية سنا، وعزت ولي شاه (والمولود في القرية في أوائل أربعينيات القرن الماضي).

تأملت وجه الحاج عبد الرشيد آغا ذو اللحية الممتلئة البيضاء والقبعة القرمية السوداء، وهو يقوم بفرش سجادة الصلاة الصغيرة مبتغيا توجيهها إلى مكة البعيدة القريبة إلى قلب الحاج.

ويتم صلاته ليروي عن العمل الكثير الغير منقطع في الحقول والمزارع، وذكريات الطفولة التي قضاها برعي الماشية والخيول الكثيرة بين تلال القرية، وبيوت النحل والعسل الجبلي الذي يجمع مرتين في العام، وعن قبر أحد الصالحين في القرية تحت اسم (عزيز دولت بابا) والكرامات والبطولات التي تروى عنه.

ثم يتحدث الحاج عبد الستار عن أشجار الفاكهة من الجوز والكرز والإجاص (الكمثرى)، وعن أن بعض أنواعها من الإجاص كانت تنتج في العام نصف طن من الثمار الكبيرة الزاكية.

 ويكمل الحوار عزت آغا، متحدثا عما كان في القرية من قطعان الماشية من الغنم السمينة والكبيرة والممتلئة لحما وشحما، وعن الأبقار والماعز ذوات الحليب الغزير.

وليتفق الجميع في المجلس على أن البركة قد نزعت وفقدت من القرية وثمارها وماشيتها وحتى ينابيعها وذلك بعد إبعاد القرميين التتار عن أرضهم واستباحتها من قبل غير المسلمين.

تركت كبار السن يكملون شرب الشاي ونزلت أمشي في أزقة وشوارع القرية، وأنا أنظر إلى أسماء الشوارع فبعد أن كانت تسمى بشارع (القلم) و(مؤذن) و( شمسي)، أصبحت (تسنترالنايا) و(لينين) و(شكولنايا).

وخلال تجوالي في القرية استوقفتني وجوه الجدات ونساء القرية، التي ترتسم عليها علامات الجدية مع البشاشة والرضا، وعلى وجوه الفتيات القرويات النضارة والحياء، بملامح أوربية بيضاء مشرقة، والعيون السوداء الكحيلة، المرسومة بعناية ولطف بين حاجبين دقيقين وخدود مدورة وردية، وثغر باسم تشرق من بين ثناياه شموس فجر مضيئة.

وفجأة تناهى إلى مسمعي صوت سائقة الحافلة مذكرة الركاب فيها بالتأهب للنزول في المحطة الأخيرة للرحلة.

أوكرانيا برس

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

العلامات: 

التعليقات:

(التعليقات تعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس")

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022