الإسلام في أعمال الأديب الأوكراني ميخائيل كوتسوبينسكي

الإسلام في أعمال الأديب الأوكراني ميخائيل كوتسوبينسكي
الأديب الأوكراني ميخائيل كوتسوبينسكي
نسخة للطباعة2013.03.22

كتبها: د. أمين القاسم - القرم

يوصف الأوكراني ميخائيل كوتسوبينسكي بالأديب والكاتب والناشط الاجتماعي، والتحرري الديمقراطي. ولد ميخائيل ميخائيلوفيتش كوتسوبينسكي عام 1864م في مدينة فينيتسيا الأوكرانية، وفيها نشأ وترعرع.

تعرض في العام 1882م للسجن، وذلك لعلاقته مع نشطاء سياسيين يعملون ضد القيصر الروسي، ثم وبسبب الظروف المعيشية الصعبة لم يستطع إكمال دراسته، فأمه أصابها العمى، ووالده توفي عام 1886م، وكان لديه أربع أخوات وأخ، فاضطر للعمل ثم للدراسة بعد ذلك ليصبح مدرسا.

ثم انتقل إلى مدينة تشرنيكوف في أوكرانيا، وهناك تزوج وتعرف على عدد من الأدباء والشعراء الأوكران .

ساهم كوتسوبينسكي مع عدد من الأدباء، مثل إيفان فرانكو 1856-1916م، وليسا أوكراينكا 1871-1913م، وبافل غرابوفسكي 1864-1902م وغيرهم.

كما ساهم في تطوير وإثراء اللغة والأدب الأوكراني مع نهاية النصف الثاني من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين الميلادي، وأصبحت قصصهم وأشعارهم وكتاباتهم جزء أصيل من الثقافة الاوكرانية.

بدأ كوتسوبينسكي بتشر أعماله وقصصه في عام 1890م واستمرفي ابداعه حتى وفاته، ومن قصصه: (فاتا مورغانا - من أجل الصالح العام - النفيس الغالي – الضحك – المغادر – ما هو مكتوب في سفر الحياة - في الطريق – الحلم - لصوص الثورة - ظلال السلف المنسية)، وغيرها.

عاش وعمل في شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا على البحر الأسود، من عام 1895-1897م، وفيها كتب أهم أعماله، ثم عاد إليها مرة أخرى للإستجمام والراحة مع عائلته في عامي 1904 ثم 1911م وقد زار كل من مدن بغجه سراي ويالطا وألوبكا وسيفاستوبل وسيميز وعدد من قرى ألوشتا.

وتنقل وسافر في العديد من الدول الأوربية، وترجمت أعماله الأدبية إلى الكثير من اللغات، وأخرج بعضها في أفلام سينمائية.

وفي ربيع عام 1913م توفي كوتسوبينسكي في مدينة تشرنيكوف بأوكرانيا، بعد معاناة مع مرضي الربو والسل.

ونظرا لمكانته الكبيرة في الأدب الأوكراني فقد شيد له متحفان في أوكرانيا في مدينتي فينتسيا وتشرنيكوف غطت جزء من حياته من خلال عرض أعماله وأوراقه وجانب من صوره، كما وتوجد في أوكرانيا أيضا  بلدتان تحملان اسمه إضافة إلى العديد من الشوارع والتماثيل كذلك.

الإسلام في قصص كوتسوبينسكي

سنعرض نموذجين من أدبه لدراسة تأثير الثقافة الإسلامية في قصصه ونحلل بعض ملامح ومظاهر هذا التاثير، وسنأخذ قصتين، الأولى: "في ظلال المنارة" طبعت في عام 1904م باللغة الأوكرانية، وكان قد كتبها بعد زيارته لمدينة بغجه سراي، وقد ترجمت ونشرت باللغة الروسية عام 1910م.

تتحدث القصة عن أحد العُبّاد المسلمين القرميين (من الصوفية) وحبه لله تعالى وحضوره لحلق الذكر وعن الأجواء الروحية التي يمر بها، أما القصة الثانية "في قيود الشيطان" فهي تروي قصة رائعة للشابة القرمية التترية المسلمة "أمينة" والتي تخوض صراع مع الشيطان بين عادات وتقاليد المرأة المسلمة المحافظة وبين الانفتاح التي تعيشه نظيراتها من الغربيات، وكيف أن والدها الحاج بكير يعرض عليها الزواج من شاب صالح ملتزم بالتقاليد الإسلامية...

يقول كوتسوبينسكي على لسان بطل القصة حبيب الله في "في ظلال المنارة":

Хочеться крикнуть: ти один, Боже, всесильний, могучий, в тобі вся радість, у тобі надія… Ти один, Боже! О Боже!…

Хтось хлипнув, не здержавсь…Алла!

(لدي رغبة في الصراخ: أنت إله واحد، القوي، الجبار، أنت سعادتي، أنت رجائي،أنت ربي الأحد! يارب!...

أحدهم بدأ بالأنين، وصرخ... الله!).

وفي قصته "في قيود الشيطان" يقول واصفا الطبيعة بعيون بطلة القصة الكئيبة:

В самому повітрі розлита нуда, про нуду тихо дзюрчить струмок по камінчиках подвір’я, од нуди скаче на ланцюгу старий пес і, глухо побрязкуючи залізом, хрипливим голосом скаржиться небові:

Алла-алла!.. Алла-алла!..

(في هذا النسيم العليل يتهادى الحزن، والحزن ينساب مع مياه الجدول الصغير بين الحجارة، وهذا الحزن يتلمس طريقه على السلسلة الحديدية لكلب الحراسة الهرِم، وبصمت يطرق السلسلة، ثم يصرخ الكلب مشتكيا: الله الله!  يا الله يا الله!

ويظهر لنا مدى عمق اطلاعه المؤلف على الدين الإسلامي ومعرفة فرائضه وتفاصيل أركانه في عدة مقاظع في روايته  "في قيود الشيطان" منها قوله:

І сподобив мене милосердний Аллах поклонитись Каабі і очистити гріхи свої, діткнувшись Есваду… - скрипить хаджі Бекір,...

(صرخ الحج بكير: قد وهبني الله الرحيم إمكانية التعبد في الكعبة، ولمس الحجر الأسود، وتطهير ذنبوبي).

ومن خلال القصتين نلحظ مايلي:

* اختار الكاتب اسما للبطل في القصة الأولى وهو "حبيب الله" ولايخفى المعنى التعبيري الذي يحمله هذا الإسم، وفي القصة الثانية اختار اسم"أمينة" ذاك الأسم الجميل ذو المعنى اللطيف المنتشر بين المسلمين القرمين.

* كما واستعمل الكاتب أسماء وألفاظ عربية اسلامية مثل : الله، الحي، إلهي، الصراط، مكة، القرآن، ذكر الله، مؤذن، محراب، منارة، نقوش عربية، حجي، اسرافيل، درويش، شيخ، إمام، خطيب، الحرم (المسجد الحرام)، محمد، مفتي، فاطمة، مصطفى، محرمة (غطاء لرأس المرأة)، إسلامية، لا إله إلا الله، الأسود (الحجر الأسود).

* ونلاحظ إلمامه ببعض مفردات اللغة القرمية التترية فقد أدرج بعضها في قصصه ، كما أنه على اطلاع على عادات وتاريخ الشعب القرمي المسلم.

* معرفته بتفاصيل الدين الإسلامي، ويتجلى ذلك بوضوح في صفحات القصة وكأن كاتبها مسلم أو دارس لشريعة الإسلام.

من خلال هذه الإطلالة على أدب ميخائيل كوتسوبينسكي، نلاحظ أن تواجد المسلمين في شبه جزيرة القرم، وكون المنطقة مكانا للإستجمام والعلاج جذب إليها عددا من المفكرين والشعراء الأوكران والروس، الذين تأثروا بثقافة وعادات أهلها من تتار القرم المسلمين، وانعكس هذا الجانب في نتاجهم الفكري، وسنعرض في القادم من الأيام لنموذج آخر من هذا التفاعل الحضاري الفكري.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس

العلامات: 
التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022