أوكرانيا تتوجه نحو اللعب على "رقعة شطرنج الشرق الأوسط"

أوكرانيا تتوجه نحو اللعب على "رقعة شطرنج الشرق الأوسط"
جانب من لقاء رئيس الوزراء آزاروف بالأمير حمد بن خليفة الثاني في الدوحة
نسخة للطباعة2012.05.25

بقلم: فياتشيسلاف شفيد - خبير قسم آسيا وأفريقيا التابع لمعهد الاقتصاد العالمي والعلاقات الدولية بأكاديمية العلوم الأوكرانية - المستشار الرئاسي السابق فيما يتعلق بالأمن القومي.

وقعت أوكرانيا اليوم في حالة خطرة للغاية بسبب عدة عوامل خارجية وداخلية. لقد تعقدت علاقاتها كثيرا مع الاتحاد الأوروبي، وبعد تولي بوتين منصب الرئيس للمرة الثالثة ازداد الضغط العنيف والظاهر من جانب روسيا على سلطاتها ومجتمعها لإجبارها على الانضمام إلى الاتحاد الجمركي من أجل إقامة إمبراطورية روسية جديدة. وكانت من أبرز وسائل الضغط الغاز. والتلاعب لتخفيض أسعاره الباهظة.

وفي هذه الظروف كان لا بد لأوكرانيا وحكومتها من أن تقوم بتصحيح سياستها الخارجية، وأن تستفيد من اللحظة التاريخية الراهنة، وقبل كل شيء من التغيرات الحديثة، في الجنوب الشرقي، وخاصة في الشرق الأوسط.

لقد شهدت اليوم تلك المناطق عملية تجديد لحضارتها من خلال الربيع العربي، وهذا سيسبب تطورا سياسيا واقتصاديا واسعا وكيبرا.

قبل فترة قالت الشركة الاستشارية المعروفة "غولدمان أند ساكس" إن منطقة الشرق الأوسط ستصبح في المستقبل القريب اتحادا قويا.

واليوم عندما يقف الشرق الأوسط على عتبة التغيرات الكبيرة، وبالرغم من الأوضاع الصعبة في المنطقة، من الضروري لنا ألا نهمل الفرص التي تتوفر هناك نتيجة لعملية التغيير الواسعة والشاملة.

ويبدو أن الدبلوماسية الأوكرانية تمكنت فورا من تحديد أولوياتنا الإستراتيجية في العالم العربي، وقامت بعدة خطوات مهمة تضع أساسا للسياسة الجديدة الموجهة إلى الشرق الأوسط في الآفاق القريبة والبعيدة.

لقد كان للزيارة الرسمية التي أجراها الرئيس فيكتور يانوكوفيتش إلى المملكة الأردنية أهمية كبرى، ليس لتطور العلاقات بين أوكرانيا والأردن فحسب، بل لبداية "عصر "جديد" في اللعبة الدبلوماسية على رقعة الشطرنج، التي اسمها الشرق الأوسط.

ومع ذلك فإن هذه الزيارة أكدت أن أوكرانيا تفهم توازن القوى في العالم العربي المعاصر فهما جيدا، فإن الأردن هو عصب الشرق الأوسط والمجتمع العربي كله، وهو البلد الذي يحترمونه سواء في الشرق العربي أو في الغرب.

وإن فهم أهمية زيارة رئيس أوكرانيا إلى الشرق الأوسط لن يكون كاملا دون أن نذكر زيارته الرسمية إلى المملكة العربية السعودية، وإن تم تأجيلها.

إن المملكة العربية السعودية هي اليوم قائد العالم العربي ومحرك التطور في المستقبل للهيئة التكاملية في المنطقة، وهو مجلس التعاون لدول الخليج العربية.

والعلاقات الجيدة والودية بين أوكرانيا والمملكة العربية السعودية هي المفتاح إلى تعزيز موقف أوكرانيا في الشرق الأوسط.

وإن تطور التعاون الاقتصادي بين أوكرانيا والمملكة العربية السعودية وغيرها من دول المنطقة هو بمثابة عوامة نجاة للكثير من قطاعات الاقتصاد الأوكرانية.

وعلى سبيل المثال اشترت المملكة العربية السعودية 4 ملايين طن من الشعير من أوكرنيا، بينما تقدر حصة أوكرانيا لتصدير هذا النوع من الحبوب إلى أسواق الاتحاد الأوروبي بنحو 18 ألف طن. وفي العام الجاري تريد المملكة أن تشتري ضعف هذه الكميات مقارنة مع العام الماضي.

وبالإضافة إلى ذلك تفتح الآقاق كبيرة أمام التعاون الأوكراني السعودي في المجال العسكري والتقني.

وقد أصبحت الزيارة الرسمية لرئيس الوزراء الأوكراني ميكولا أزاروف في 9 - 10 أيار/مايو الجاري إلى قطر خطوة نجاح أخرى لأوكرانيا في الشرق الأوسط.

تعتبر قطر اليوم من إحدى الدول الحركية والمبدعة في المنطقة. وقال الرئيس الأوكراني إن "قطر اليوم هي حافز الأفكار التقدمية والإصلاحية في العالم العربي".

وأصبحت قطر الآن دولة ذات الاقتصاد الذي تظهر وتيرة نموه العالية في العقد الأخير حسب الإحصائيات للفترة 2000 - 2010. وتبلغ نسبة نمو الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي 13% سنويا.

والقيمة الفريدة لقطر هي أن هذه الدولة تنتج ثلثا حجم الغاز العالمي، وأسعار الغاز القطري المسال أقل من أسعار الغاز الروسي المستورد بثلاث مرات، بما في ذلك نفقات توريده.

وكان من أهداف قطر الرئيسية على الساحة الدولية تدمير هيمنة واحتكار روسيا لأسواق الغاز الدولية. وهذا سبب فتور العلاقات بين روسيا وقطر "الصغيرة الخطيرة" كما يصفها محللون روس موالون للكرملين.

والآن، في وقت المعاركة الحاسمة، عشية المفاوضات مع روسيا وشركة "غازبروم"، قامت أوكرانيا بخطوة مهمة جدا من أجل تعزيز أمنها في مجال الطاقة.

لقد اتفق رئيس وزراء أوكرانيا ميكولا آزاروف وأمير دولة قطر حمد بن خليفة الثاني على وضع الأساس لبرامج الشراكات الإستراتجية لمدة 20 عاما. وسيكون هذا البرامج جاهزا للتوقيع بعد زيارة رئيس أوكرانيا إلى دولة قطر في خريف العام الجاري. وكذلك تمت اتفاقات واعدة حول عدة مجالات أخرى.

دار الحديث بين الجانبين حول مسألة إمدادات الغاز المسال القطري إلى أوكرانيا، وحول التنقيب عن الغاز الطبيعي في أوكرانيا وإنتاجه، وحول مشروع بناء مخازن للحبوب تلبي حاجات المنطقة، وحول مشاركة الشركات الأوكرانية في تنظيم بطولة كأس العالم 2022 بقطر، وأخيرا حول بناء محطة للغاز المسال الطبيعي في منطقة أوديسا.

ومع ذلك، لا بد أن نقول إنه بقيت أمام أوكرانيا محادثات صعبة مع تركيا لكسب موافقة الأخيرة على عبور ناقلات الغاز المسال لأوكرانيا عبر مضيقي البوسفور والدردنيل.

ولا شك أن روسيا لن تدخر جهدها لإحباط هذا، وفي هذه الحالة يجب على الدبلوماسية الأوكرانية أن تثبت مرة أخرى مهارتها ومعرفتها بخصائص لعبة السياسة على رقعة الشطرنج، التي اسمها الشرق الأوسط.

أوكرانيا برس

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

العلامات: 

التعليقات:

(التعليقات تعبر عن آراء كاتبيها، ولا تعبر بالضرورة عن رأي "أوكرانيا برس")

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022