أدوار كبيرة للعلماء القرميين في العلوم والحضارة الإسلامية

أدوار كبيرة للعلماء القرميين في العلوم والحضارة الإسلامية
غلاف كتاب "الكليات" للعالم القرمي أبو البقاء الكفوي
نسخة للطباعة2012.01.20

بقلم د. أمين القاسم - القرم.

شهدت شبه جزيرة القرم جنوب أوكرانيا ازدهارا كبيرا ونهضة علمية في الفترة بين القرنين الرابع عشر والسابع عشر الميلاديين، أثناء حكم أسرة "كيراي" والعثمانيين.

وهذه النهضة انعكست إيجابا في المجال العلمي بظهور علماء قرميين مسلمين في مجالات شتى (القضاء – الفقه الحنفي – التفسير – النحو والصرف – ...إلخ).

وقد قام هؤلاء العلماء بتدوين انتاجهم العلمي باللغة العربية، وأحيانا بالتركية العثمانية، وما يزال هذا النتاج مبعثرا بين رفوف المكتبات العربية والتركية والإيرانية والهندية وحتى الروسية.

وفي هذه العجالة سنلقي الضوء على عدد من العلماء القرميين، وبعض إسهاماتهم التي وصلت إلينا.

محمود بن سليمان الكَفَوِيّ الحنفي

توفي سنة 990هـ - 1581م، ويكنى بأبي الفضل، له عدة كتب في الأدب والفقه، أشهرها كتابه (كتائب أعلام الأخيار من فقهاء مذهب النعمان المختار)، ويعرف أيضا بطبقات الكفوي منه نسخة في المكتبة المحمودية بالمدينة المنورة برقم 2575، وأخرى في المكتبة القادرية برقم1242 ببغداد، ونسخة أمانة خزينة بتركيا برقم 1201، ومنها صورة فيلمية في جامعة الإمام برقم 875/ف.

والكتاب مكتوب بخط عربي جميل، يتألف من مجلدين، في كل منهما ما يزيد عن 300 صفحة.

وقد اختصره أبو الحسنات محمد عبد الحي اللكنوي الهندي (1264 - 1304 هـ)، (1848 - 1887 م)، وسماه: الفوائد البهية في تراجم الحنفية.

قال اللكنوي عن الكتاب في مقدمته: "ثم ظفرت بطبقات الكفوي المسماة بكتائب أعلام الأخيار لمحمود بن سليمان الكفوي، فوجدته أحسن كتاب صُنف في هذا الباب، فيه فوائد كثيرة نافعة لأولي الألباب، قد ذكر فيه مشاهير الحنفية من عصر الإمام إلى عصره مع ذكر سلاسل تلامذتهم ووفياتهم ومواليدهم وتصنيفاتهم وآثارهم وحكاياتهم، وأورد في ترجمة كل فقيه فوائد من تصانيفهم، وفرائد من تآليفهم، ورتبه على كتائب عديدة، وأورد في كل كتيبة تراجم جماعة غفيرة، وختم كل كتيبة بذكر جماعة من الأولياء والصلحاء، فلخصت من كتابه تراجم الفقهاء من دون حذف ما يتعلق بها، حاذفًا الفوائد التي لا تتعلق بها، ... إلخ".

أما الكفوي فهي نسبة إلى مدينة كَفَا أو الكَفَا (فيادوسيا اليوم)، وهي مدينة تقع على شاطئ البحر الأسود، وصفها الرحالة ابن بطوطة حين زار القرم في القرن الرابع عشر الميلادي قائلا: "وصلنا إلى مدينة الكفا، وهي مدينة عظيمة مستطيلة على ضفة البحر، يسكنها النصارى وأكثرهم الجنويون ولهم أمير، ونزلنا منها بمسجد المسلمين".

ويضيف: "وطفنا بالمدينة فرأيناها حسنة الأسواق، ونزلنا إلى مرساها فرأينا مرسى عجيبا به نحو مائتي مركب ما بين حر بي وسفري صغيرا وكبيرا، وهو من مراسي الدنيا الشهيرة". ولأهمية المدينة ولكثرة سكانها في العهد العثماني كانت تدعى (إسطنبول الصغيرة)، وأحيانا (إسطنبول القرم).

أبو البقاء الكفوي أيوب بن موسى الحسيني القريمي الكفوي

أحد قضاة الأحناف، ولد في مدينة كَفَهْ بالقرم، تضلع من الفقه والأصول وعلم الكلام وعلوم العربية. وبعد موت أبيه مفتى كفه صار إليه الإفتاء والقضاء فيها. ثم ولي القضاء في القدس وبغداد.

نفاه السلطان محمد خان إلى كفه، فأقام فيها اثني عشر عاماً أعيد بعدها إلى إسطنبول ليتولى القضاء حتى وفاته سنة 1093 هـ. (الإعلام للزركلي 2/38، طبعة دار الملايين 1986م).

وذكرعمر رضا كحالة في معجم المؤلفين 3/31 أنه توفي وهو قاض في القدس. وجاء في هدية العارفين 1/229 أنه توفي سنة 1094هـ، وأن لـه كتاباً بالتركية عنوانه (تحفة الشاهان)، وهوفي فروع الحنفية. ومن أشهر كتبه "الكليات"، وهو معجم موسوعي نفيس، حققه د. عدنان الدرويش والأستاذ محمد المصري، وأصدرته وزارة الثقافة السورية في خمسة مجلدات، وأصدرته مؤسسة الرسالة في حوالي 1300 صفحة.

وضخامة حجمه من ناحية، وتنوع موضوعاته من ناحية أخرى يلحقانه بالموسوعات الفكرية العامة.

ينطوي هذا الكتاب على ما يقرب من ستة آلاف مادة، صنّفت على حروف المعجم تصنيفاً يأخذ بأوائل الكلمات، والمواد التي يشتمل عليها الكتاب متعددة الأغراض، وهي في الجملة المصطلحات التي استوعبت ثقافتنا العربية الإسلامية طوال القرون العشرة التي سبقت ظهور الكفوي في القرن الحادي عشر الهجري.

وأبرز الموضوعات التي رصّها المؤلف في مصطلحات الكتاب رصّا مكثفاً دسما: الفلسفة، وعلم الكلام، والمنطق، وأصول الفقه، والفقه الحنفي، والنحو والصرف، وغيرهما من علوم العربية كالبلاغة والعروض، إلى جانب المصطلحات المتداولة في كتب الحديث والتاريخ والعلوم والفنون الأخرى.

شرف الدين بن كمال القريمي

جاء في كتاب (كتائب أعلام الأخيار): "كان عالماً فاضلا جامعا للعلوم الفرعية والأصلية، أخذ العلوم عن علماء بلدته إلى أن قدم المولى حافظ الدين محمد البزازي صاحب الفتاوي هناك، فقرأ عليه وكتب له إجازة سنة 805 هـ، ثم تصدر للتدريس والإفادة ودخل بلاد الروم وأكرمه السلطان مراد خان إلى أن مات هناك".

حسين بن رستم الكفوي، ثم (الرومي الحنفي)

تولى قضاء مكة المكرمة وتوفي فيها سنة 1010هـ. له من التصانيف: بستان أفروز جنان شرح كلستان بالتركية، تعليقة على الجامع الصحيح للبخاري، تعليقة على صحيح مسلم، رازنامة في مناقب العلماء والمشايخ والفضلاء، سوانح التفال ولوائح التوفل، شرح ديوان حافظ، شرح لأمية العجم للطغراني، وغير ذلك.

أحمد بن عبد الله القريمي

قرأ ببلدة قريم على حافظ الدين محمد البزازي صاحب (الفتاوي البزازية) حين زار القرم، ولما رحل عنها البزازي سنة 806 هـ قرأ على شرف الدين بن كمال القريمي من تلاميذ البزازي، ثم سافر إلى تركيا.

وفي عهد السلطان مراد خان بن محمد خان عين مسؤولا لمدرسة مرزيفون ببلاد الأناضول.

قال عنه الشيخ محمود بن سليمان الكفوي: "كان عالما فاضلا محدثا مفسرا فقيها".

من تصانيفه: حواش على التلويح، وحواش على العقائد النسفية، وشرح اللباب للأسفرائيني في النحو. توفي في القسطنطينية وأرّخ صاحب (كشوف الطنون) وفاته عام 943هـ.

محمد بن مصطفى يحميد الدين الكفوي الحنفي الأقكرماني

تولى القضاء بمكة المكرمة، وتوفى بها سنة 1174هـ. من كتبه آداب الكفوي. قال عبد الله بن عبد الرحمن المعلمي في كتابه (أعلام المكيين): "له حاشية على الجامع الصحيح للبخاري، شرح مكان العام والخاص، عقد القلائد على شرح العقائد، الفرق الضالة، حاشية على أنوار التنزيل للبيضاوي في التفسير".

السيد محمد رضا بن أحمد القريمي الرومي

مؤرخ مشارك في بعض العلوم. ولّي نقابة الأشراف بدار السلطنة العثمانية، وتوفي سنة 1169هـ.

من آثاره المؤلفات: تحفة الخان في شرح نزهة الأذهان، رياض المؤمنين (بالتركي) في الأخلاق، والسبع السيار في أحوال التتارفي التاريخ.

عبد القادر القرمي الكفوي

لقب بحجابي أأديب، وهو صوفي. من آثاره: الأبكرة المؤتلفة في شرح الأمثلة المختلفة، إيقاظ النائم، الإيناس والأستيناس رسالة، تعريف الإنسان، النكات التوحيدية، هدية الهلال.

ويوجد طبقة كثيرة من المفسرون والفقهاء تحت اسم القراماني أوالقرماني والكفوي، تعود أصول كثير منهم إلى شبه الجزيرة، لم أستطع التأكد من نسبتهم الأكيدة إلى القرم بسبب ضآلة المعلومات التاريخية في تراثنا.

وهذا غيض من فيض عن علماء هذه البقعة المباركة من العالم الإسلامي، ولا ننس رحلة ابن بطوطة إلى القرم في القرن الرابع عشر الميلادي، والتي تحدث فيها عن شيوخ وعلماء القرم، فقال: "ولقيت قاضيها الأعظم شمس الدين السائلي قاضي الحنفية، ولقيت بها قاضي الشافعية وهو يسمى بخضر، والفقيه المدرس علاء الدين الأصي، وخطيب الشافعية أبا بكر الذي يخطب بالمسجد الجامع الذي عمره الملك الناصر رحمه الله بهذه المدينة، والشيخ الحكيم الصالح مظفر الدين، وكان من الروم فأسلم وحسن إسلامه، والشيخ الصالح العابد مظهر الدين، وهو من الفقهاء المعظمين...).

رحم الله تعالى علمائنا الأجلاء، وجزاهم عنا كل خير، وبارك لأهل هذا البلد في شيوخها وعلمائها...

أوكرانيا برس

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

العلامات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022