سفير أوكرانيا لدى الكويت يكتب: "الأساطير الدموية للمؤرّخين السياسيين"

سفير أوكرانيا لدى الكويت يكتب: "الأساطير الدموية للمؤرّخين السياسيين"
فولوديمير تولكاش سفير أوكرانيا لدى الكويت
نسخة للطباعة2014.07.27

فولوديمير تولكاش - سفير أوكرانيا لدى الكويت

إنّنا الأوكرانيون خلال فترة طويلة كنّا نمتنع عن المجادلة العلنية حول تأكيدات "أشقائنا" الروس التي ليس لها أساس غالبًا فيما يتعلّق بالوقائع التاريخية وتاريخ شعوبنا بشكل عامّ.

ولكن اليوم نواجه خطورة تحقيق النوايا العدوانية تحت ستار الأساطير التاريخية.

إنّه في الوقت الحاضر قد تخلّي التاريخ عن صرامة البحث العلمي ويتحوّل من خلال شبكة الإنترنت والتلفزيون إلى منتج الاستهلاك العامّ. تعوّدنا بأنّ استخدام الكذب اليومي والمنتظم يمكنه أن يجعل الأسود من الأبيض وبالعكس في الوعى الشعبي.

أعتقد أن مواطني دولة الكويت تعرّفوا بشكل جيّد بسموم الدعاية الأيديولوجية لنظام صدام حسين التي في آواخر ثمانينات القرن الماضي رسّخت ترسيخًا عميقاً في رأي المجتمع العراقي الفكرة عن "الكويت كجزء من محافظة البصرة". العواقب الفظيعة الناتجة عن تفسير ماضي الشعبين المجاورين بهذه الطريقة معروفة جداً. وعلى الرغم من تضافر جهود المجتمع الدولي، قد احتاج إلى أكثر من عشر سنوات من أجل "إقناع الدكتاتور الشمالي" بخطأ "دراسته التاريخية".

للأسف، اليوم ضلّلت سموم الشوفينية التاريخية مواطناً روسياً تضليلاً كاملاً. في الوقت الراهن تجدر الإشارة إلى أن عدم رغبة الجانب الأوكراني في الخلاف مع المؤرّخين المشعوذين في الكرملين أدّى إلى الأحداث الدامية في شبه جزيرة القرم والجزء الجنوبي الشرقي لوطننا.

إذن، منذ البداية. الأسطورة: "كان شبه جزيرة القرم روسيًا دائماً".

كما من المعلوم، في عام 1783م تمّ ضمّ خانية القرم (القرم) إلى الإمبراطورية الروسية وذلك في عهد امبراطورتها الألمانية الأصل كاترينا الكبيرة الثانية. وقد تحقّق ذلك من خلال جيوش الحكّام المستبدّين لدولة "روس" العظمى والصغرى والبيضاء (روسيا وأوكرانيا وبلاروس الحديثة) مثلما كانوا يسمّون أنفسهم. ويعود الدور المهمّ في تقويض القوة العسكرية للإمبراطورية العثمانية وبالتالي هزيمتها في المنطقة الشمالية المطلّة على البحر الأسود في المواجهة مع روسيا إلى القوزاق الأوكرانيين الذين تمتّع فنّهم القتالي بتقدير عال في أوروبا وقتئذ.

إذن، لمن القرم؟ هل هو ألماني لأنّ تمّ غزوه بأمر الامبراطورة الألمانية الأصل؟ أو روسي لأنّه تمّ تشكيل جزء من الجيش القائم باحتلاله في أراضي روسيا الحديثة؟ أو أوكراني لأنّ القوزاق الأوكرانيين (الجماعة الكبيرة المنظّمة تنظيمًا عالياً من سكّان بلادنا المسلّحين والمحبّين للحرّية الذين فرّوا من الاضطهاد القومي والاجتماعي والديني إلى منطقة "الحقل الموحش" الواقعة في جزئه الجنوبي الشرقي) شاركوا جنبًا إلى جنب في الحروب لأجل القرم؟ أو هو تابع لبيلاروس؟

هناك استنتاج واحد. على مدى أكثر من مائة سنة كان القرم تابعاً لشعوب الإمبراطورية الروسية: بيلاروسيين وروس وأوكرانيين وفي المقام الأوّل سكّانه الأصليين – تتار القرم.

إن تحريف الحقائق التاريخية والاعتبار بأنّ الامبراطورية الروسية والاتحاد السوفياتي يتطابقان روسيا المعاصرة فقط والسرقة الفعلية للماضي التاريخي في الشعوب الشقيقة هذا كلّه من الأساليب الرئيسية للنظام الحالي في الكرملين.

الأسطورة عن مدينة مجد الملاحين الروس.

اليوم تُعتبر مدينة سيفاستوبول "مدينة مجد الملاحين الروس". أليس الأوكرانيون مع الروس وغيرهم من رعايا الامبراطورية السابقة هم من خلقوا تاريخاً مجيدًا للقاعدة البحرية الجنوبية للامبراطورية الروسية. شكّل المجنّدون المنحدرون من المدن والقرى الأوكرانية حوالي 70 بالمائة من أعضاء طواقم السفن الحربية ومعظمهم ملاحون. ألم يُلد في عائلة قنّ الأرض الأوكراني البطل الأسطوري في حرب القرم (1853-1856) الملاح بيترو كيشكا الذي يوجد في مدينةسيفاستوبول تمثال له؟ مع ذلك، اليوم بناءً على الشعارات التاريخية الكاذبة قامت سلطات الاحتلال التي نصبت نفسها بين خطواتها الأولى بهدم تمثال الابن البارز الآخر للشعب الأوكراني – قائد القوزاق بترو ساهايداتشني وذلك باعتبار أنّه لا يجوز وجوده في مدينة مجد الملاحين الروس. آه، كم لا تريد السوفينية الروسية فقدان الاحتكار على صفحات الماضي البطولي.

أليس بسبب الاحتيال اللفظي يعاني "القرم الموهوب لأوكرانيا" من نقص السيّاح والمياه والكهرباء الأوكرانية. وأسفرت الأساطير الروسية الحالية عن الانهيار الاقتصادي لشبه جزيرة القرم الذي يبرّره من خلال الدعاية الإعلامية ويعتمده النظام الروسي الحالي.

أدّى بقاء القرم داخل جمهورية روسيا السوفياتية الاتحادية الاشتراكية على مدى عشر سنوات فقط (1944-1954) بعد الترحيل القسري العنيف لجميع تتار القرم إلى الكارثة البيئية في شبه الجزيرة. إنّ عدم مهارة ورغبة المهاجرين في دراسة الخبرة القديمة لتتار القرم في مجال ري الأراضي في ظروف المناخ القاحل رتّب على القضاء التامّ على الزراعة المحلّية. ها هي "الهدية" التي استلمتها أوكرانيا من "شقيقها الأكبر الروسي" في عام 1954م. إنّ الماء الذي جاء من أوكرانيا إلى القرم عبر قناة القرم الشمالي المبنية بجهود مشتركة بذلها الأوكرانيون وسكّان شبه الجزيرة أنعش الحياة فيه وفتح الآفاق للمستقبل وأما المواد الغذائية الأوكرانية فمكّنت خلال فترة طويلة الميزانية المحلية من الحصول على الأرباح وتغذية ملايين السياح.

بشكل إجمالي بقي القرم داخل الجمهورية الروسية السوفياتية الاتحادية الاشتراكية على مدى ثلاثة عقود فقط وستّين سنة ضمن الجمهورية الأوكرانية السوفياتية الاشتراكية وبعد ذلك أوكرانيا المستقلّة. إذن، كما يقولون في أوكرانيا بعد تعرّض جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي لعدوان النظام الروسي الحالي إنّه مع هؤلاء "الأشقاء" لا نحتاج إلى الأعداء.

من الصعب أن نثق بتصاريح رئيس الدولة المجاورة الذي سبق له في عام 2005م أن نفى نفياً باتّا العودة إلى سياسة جمع "الأراضي الروسية" المتبقــّـية خارج حدود روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي وفي دسمبر عام 2013م وصف احتمال "التلويح بالسيف" وإدخال الجيش من أجل الدفاع عن مواطنيه القاطنين فيها مثل "الهراء المطلق". مع ذلك، بعد شهرين فقط في مارس عام 2014م أنكر الزعيم الروسي بشكل علني علاقة بين جنوده واحتلال جمهورية القرم ذات الحكم الذاتي، واصفًا إياهابـأمر قوات الدفاع الذاتي المحلية، وفي وقت لاحق اعترف بأنّه لو لا مشاركة القوات الروسية فكان إجراء الاستفتاء فيها مستحيلاً.

إذا، حول أي تعبير عن إرادة الشعب في ظروف التهديد من قبل "الرجال الخضر" الروس المسلحين يدور الحديث؟ هل يوجد بالفعل في روسيا الاتحادية القانون الذي يسمح بإجراء الاستفتاء المحلي بشأن تقرير المصير؟ لا يقضي الدستور الروسي حتى بإمكانية خروج الكيان الاتحادي من روسيا الاتحادية.

في أوكرانيا يجوز أن يقوم الشعب كلّه بحسم مثل هذه المسألة في الاستفتاء الوطني. إنّ جميع الحجج في شرعية الاستفتاء منافقة وتصنّع أصبحا، للأسف، من ملامح السياسة الخارجية الروسية المعاصرة.

ولكنّ ذروة الوقاحة الإعلامية الروسية عبارة عن الرغبة في تخبئة العدوان ضدّ أوكرانيا وعرض مساعينا للدفاع عن الوطن كالإرهاب الأوكراني. ألا يرجع في النعوش مائات الجنود المرتزقة الروس الذين مع الأسلحة في أيديهم قتلوا المواطنين الأوكرانيين المحبّين للوطن في الأراضي الأوكرانية والآن يتمّ نقلهم إلى روسيا للدفن؟ أليس هناك المدافع الروسية المضادّة للصواريخ التي يستخدمها أولئك المرتزقة لأطلاق النار على الطائرات اللأوكرانية والأراضي الروسية التي لا يزال تأتون منها التشكيلات الإرهابية الجديدة والأسلحة والمعدّات والمال؟

أليس الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بأول من أثار في أبريل عام 2014م "المسألة السياسية" عما يسمّى بــ "نوفوروسيا" (روسيا الجديدة). مع ذلك، لا يبالي سواء هو شخصياً أو حاشيته بأنّ المنطقة التاريخية "نوفوروسيا"، التي من أجل إقامة الدولة في أراضيها أعلن الفاشي الروسي الجديد و"المحافظ الشعبي" بافلو غوباريف عن تأسيس نفس الحركة الاجتماعية السياسية، لم تشمل محافظتي لوغانسك ودونيتسك لأوكرانيا.ليس من المستغرب أن الغالبية العظمى من سكان المحافظات الشرقية والجنوبية في بلادنا متمثّلة بالأوكرانيين وذلك على الرغم من سياسة القيادة الروسية الهادفة خلال قرون عديدة إلى تعميرها عن طريق المهاجرينمن المناطق الأخري لروسيا وكذلك ملايين الضحايا الذين تكبّدهم الشعب الأوكراني في غضون الحربين العالميتين والإبادة الجماعية الاصطناعية "هولودومور" (القتل بالتجويع) في 1932-1933م. قد ألقى"المؤرّخ" فلاديمير بوتين كلمة أخذها مقربوهفي الخدمة. لا يزال الأنصار الروس للفاشية الجديدة مع بعض سكان أوكرانيا الشرقية الذين خدعتهم الدعاية الروسية يقتلون الأوكرانيين المحبّين لوطنهم والعسكريين والسكّان المدنيين في هذه المنطقة. ليس سدى أنّ مناضل الفاشية فلاديمير بوتين أوحى فكرة استعادة "نوفوروسيا" لمشايعي الفاشية الجديدة برئاسة باركاشوف وبارفينوف وليمونوف. إنّ الإرهابيين الروس المتدرّبين في قتل واغتصاب النساء والأطفال الشيشانيين يمزّقون وطننا. لقد تحقّقت عبارة الزعيم الروسي عن "القتل في المراحيض" بحقّ الشيشانيين وبعد ذلك في جورجيا والآن في أوكرانيا. ومن هو التالي؟

لذلك ينبغي ألا نتكلّم اليوم عن الأصول المشتركة "للشعوب الشقيقة" ومدينة كييف كالعاصمة الروسية الأولى. وكانت رغبة حكّام الإمبراطورية الروسية في إعلانها "روما الثالثة" بحاجة إلى البحث عن الماضي المجيد البارز. منذ ألف سنة أصبحت مدينة كييف مركزاً سياسيًا وتجاريًا وثقافيًا ودينيًا للحضارة السلافية الشرقية وهكذا تحوّلت في يومنا هذا إلى موضع الهجمات التي يشنّها العديد من السياسيين الروس الساعين إلى إيجاد الأساس للعدوان اللاحق. في الواقع تمّ تأسيس عواصم الامبراطورية الروسية والاتحاد السوفيتي وروسيا الحديثة في وقت لاحق بعد قرون عديدة.

للأسف، تدلّ خبرة السنوات الأخيرة على أن مثل هذه التصريحات تؤدّي إلى ظهور الأساطير التاريخية الجديدة عن "الأراضي الروسية الأصلية". وهل يليها العدوان وضمّ الأراضي ونزيف دمّ "الشقيق"؟.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022