دراسة حول المشاركة السياسية لمسلمي روسيا في مجلس الدوما بين عامي (1906- 1917م)

مجلس الدوما الروسي في 5 أكتوبر من عام 1912م بجلسة استماع لممثل رئاسة الوزراء الروسية
نسخة للطباعة2021.03.19

د. أمين القاسم - باحث في تاريخ المنطقة

تحت وطأة الثورة الروسية عام 1905م اضطر القيصر نيكولاي الثاني (الذي حكم من عام 1894- 1917م) إلى تشكيل نظام ملكي دستوري ذو نظام متعدد الأحزاب، وإقامة مجلس الدوما في القيصرية الروسية (مجلس النواب) في عام 1906م، ومقره في مدينة سان بطرسبورغ، وقد منحه القيصر سلطات تشريعية ورقابية.

أصبح مجلس الدوما الروسي منبراً يمكن من خلاله للشعب الروسي التعبير بشكل قانوني وعلني عن رغباته وآرائه وتطلعاته، وإبراز مواقفه بشأن مختلف القضايا في البلاد. 

وقد تشكلت في البرلمان عدة أحزاب وتكتلات ومجموعات على أساس فكري أو قومي منها: كتلة الديمقراطيين الاجتماعيين، وكتلة الدستوريين الديمقراطيين، وكتلة الإشتراكيين الثوريين، كتلة القوميون، الكتلة البيلاروسية الليتوانية البولندية، والكتلة الإسلامية، وغيرها.

وقد شكّل المسلمون في روسيا القيصرية في نهاية العقد الأول من القرن العشرين حوالي 20 مليون نسمة من أصل 90 مليون هو عدد سكان الإمبراطورية الروسية وقتها، وكانت نسبة الجنود المسلمين في الجيش الروسي وقتها تصل إلى حوالي 50% من إجمالي العسكر الروسي. 

لذا، عُدّ المسلمون أحد أهم المجتمعات الفاعلة في روسيا، فانخرطوا في مجالات الحياة كافة، ومنها بطبيعة الحال الحياة السياسية أيضا، وذلك بغرض التعبير عن مواطنتهم، وللمطالبة بحقوقهم، والدفاع عن مكتسباتهم.

الكتلة الإسلامية في مجلس الدوما الروسي اختلفت عن الكتل الأخرى من حيث تكوينها وأهدافها ووظائفها، وضمت هذه الكتلة نوّاب مسلمين على درجة جيدة من العلم والثقافة، منتخبين من عدة قوميات من تتار الفولغا ومسلمي القوقاز وشعوب وسط آسيا، مع الإعتراف بأن أغلب النوّاب كانوا من ذوي الخبرة السياسية القليلة.

شكّلت مشاكل الشعوب المسلمة الدينية والاجتماعية محور الإتحاد والتلاقي بين الأعضاء المسلمين في البرلمان. 

أدّى البرلمانيون المسلمون في الدوما دورا هاما في التمثيل والتعبير عن موقف المسلمين على مستوى السلطة التشريعة، وطرحوا مبادرات ومشاريع قوانين لإيجاد عدد من الحلول لقضايا الشعوب المسلمة، وساهموا في إقرار مجموعة من التشريعات والقوانين حول الحرية السياسية والمساواة، وحرية الرأي والإصلاح وتعزير مفاهيم التسامح الديني، واقترحوا مواد تصب في خدمة المجتمع المسلم، ودعوا للاعتراف بحقوق الأقليات القومية، وناقشوا النظم والقوانين المقدمة لتعزيز مبادئ التعايش المشترك، ولإيجاد توافق بين الإسلام من جهة والثقافة والقوانين الروسية من جهة أخرى. مع الإشارة هنا إلى أنّ النواب المسلمون كانوا من مدارس فكرية متعددة ليبرالية واشتراكية ومحافظة ووطنية.

وقد غطت صحف ومجلات المسلمين أنشطة وأخبار النواب المسلمين في دورات الدوما المختلفة، ونشرت القوانين الصادرة، والمناقشات المتداولة التي تمس المجتمع المسلم في القيصرية الروسية، وقامت بهذا الدور جرائد مثل: نور، قازان مخبري، يولديز، بيان الحق، ملّت، اقتصاد، وقت، كوياش، وغيرها.

المشاركة السياسية للمسلمين في الدوما

إن مشاركة المسلمين في مجلس الدوما الروسي الأول (من 27 أبريل- 8 يوليو 1906م): كانت في 39 جلسة فقط، ومن بين 478 نائبا كان عدد النواب المسلمين 25 نائبا، من مناطق الفولغا والأورال والقوقاز وتركستان، وفي هذه الفترة القصيرة لم يعتمد البرلمان أي قانون، ولكنه انتقد سياسة الحكومة، وصاغ خطابا للرد على القيصر، وناقش مسألة الزراعة في البلاد. وقام النواب المسلمون بجولات في مناطق تجمعات المسلمين لتعريفهم بأعمال مجلس الدوما، وأهمية العمل السياسي وفائدته.

مجلس الدوما الثاني (المنعقد من 20 فبراير- 2 يونيو 1907م): عدد النواب فيه وصل إلى 518 نائبا، وعُقدت 53 جلسة، بلغ عدد النواب المسلمين فيها وصل إلى 36 نائبا، وقد انقسموا إلى كتلتين، وأقرّ غالبية أعضاء البرلمان – في لفتة جميلة- اقتراح أحد النواب المسلمين ببدء جلسة يوم الجمعة في الثانية ظهراً (ليتمكن الأعضاء المسلمون من أداء صلاة الجمعة في المسجد). 

وقد أعدّ النواب المسلمون مشروع قرار لتنظيم عمل المدارس الإبتدائية التي تعلّم بلغات أخرى غير الروسية، وكذلك مشروع قرار لجعل يوم الجمعة يوم عطلة، وآخر يتعلق بسياسة إعادة التوطين، ودعموا قانون إلغاء المحاكم العسكرية الميدانية، وغيرها.

مجلس الدوما الثالث: امتدت من 1 نوفمبر 1907 إلى 9 يونيو 1912م. ويعتبر البرلمان الوحيد الذي عمل خمس سنوات، وهي الفترة القانونية المخصصة له في الدستور، ومن بين 442 نائبا كان هناك 10 نوّاب مسلمين فقط، وكان أداء هذا المجلس بشكل عام ضعيفا بسبب تشدد الكتل البرلمانية من اليمين واليسار من جهة، ومماطلة الحكومة في تنفيذ التشريعات من جهة أخرى. وبسبب قلة عدد النواب المسلمون فإن تأثيرهم في هذه الدورة كان ضعيفا. وهذا أعطى انطباعا سيئا عن أداء المجلس وأعضائه المسلمين لدى الصحافة والمجتمع المسلم.

دافع أعضاء الدوما المسلمون عن الاتهامات التي وجّهت للمجتمع المسلم في روسيا بدعم دعوة "الوحدة الإسلامية"ومعاداة الدولة الروسية، وساندوا عدد من مشاريع القوانين الإصلاحية في السياسات الزراعية والتشريعات التي تتيح مزيدا من الحريات.

مجلس الدوما الرابع: من 15 نوفمبر 1912 حتى حلّه من جانب الشيوعيون في 25 فبراير 1917م. كان عدد أعضاء هذا المجلس 442 عضوا، وقد عطّل قيام الحرب العالمية الأولى انعقاد جلساته وأنشطته. أما عدد الأعضاء المسلمين في هذا المجلس فكان 7 فقط.

وقد قدّم أحد الأعضاء المسلمين مقترح لمشروع إلغاء القيود المفروضة على دخول المسلمين لحقل المحاماة والقضاء ودعم هذا القانون الكتلة التقدمية. كذلك ناقش أحد الأعضاء المسلمون مشروع وزارة الداخلية حول مسألة إعادة تنظيم عمل الإدارة الدينية لمسلمي روسيا، ومشروع الأراضي في بشكيريا.

تجربة المسلمين في الدوما

خلال الحملات الإنتخابية التي سبقت تشكيل المجلس مَنَعت السلطات الحاكمة عدداً من الشخصيات المسلمة "غير المرغوب فيها" من المشاركة في الإنتخابات، وذلك بذرائع مختلفة، كما أصدرت أحكام قضائية بحق آخرين للوقوف في وجه ترشحهم، كذلك كانت المقاعد المخصصة لمناطق المسلمين قليلة نسبيا.

وقد بلغ إجمالي عدد النواب المسلمين في الدومات الروسية الأربع من عام 1906 إلى 1917م، 78 نائبا، وقد انتُخب بعضهم أكثر من مرة ( أحدهم أربع مرات، و 8 لمرتين)، لذلك فعدد من عمل في الدوما من النواب المسلمين هو 67 نائبا، وقد شاركوا في عدد من لجان المجلس (الشؤون الدينية، الإصلاح القضائي، التعليم الوطني، القضايا الزراعية، إعادة التوطين، الميزانية العامة، المالية..)، وصُنفت كتلة المسلمين كجزء من المعارضة، والتي كانت الأغلبية في المجلس. ويذكر أن أحد النواب المسلمين شارك في الوفد البرلماني الروسي الرسمي الذي زار بريطانيا عام 1914م.

شخصيات برلمانية مسلمة

  1. كوتلوغ محمد تيفكيليف (1850- 1917؟): برلماني لأربع دورات منذ عام 1906- 1917م مالك أراضي، وعقيد تتري.
  2. خليل بيك حسماميدوف (1873- 1947): برلماني أذري لدورتين ودبلوماسي ورجل دولة.
  3. صدري مقصودي (1878- 1957): برلماني لدورتين ومحامي تتري.
  4. عليماردان بيك توبتشيباشوف (1863- 1934): محامي وصحفي وسياسي أذري، وعضو مجلس الدوما الأول.
  5. تاشتيمير إلدارخانوف (1870- 1934): كاتب وسياسي شيشاني، وعضو مجلس الدوما الأول والثاني.
  6. أحمد بيريمجانوف (1871- 1928) برلماني لدورتين، ومحامي كازاخي.
  7. محمدشاكر توكايف (1867- 1932) برلماني لدورتين، ورجل دين مسلم.
  8. فتح علي خويسكي (1875- 1920) محامي أذري وعضو الدوما الثانية.
  9. غيث إنيكييف (1864- 1931): برلماني تتري لدورتين، مدرس وإثنوغرافي.
  10. عريف بادامشين (1865- 1939): برلماني لدورتين في الدوما وتاجر كازاخي.
  11. شاهحيدر سيرتلانوف (1847- 1916): تتري بشكيري، وقاضي فخري.
  12. شايميردين كوشغولوف (1869- 1932): برلماني كازاخي لدورتين.
  13. إبراهيم بيك غايداروف (1879- 1949): مهندس داغستاني نائب في الدورة الثالثة بالدوما.
  14. رشيد ميدييف (1880- 1912): نائب قرمي تتري في الدوما الثانية. وغيرهم.

الخلاصة

ويتضح جليا من خلال هذه الدراسة المختصرة الدور الذي شغله السياسيون المسلمون في القيصرية الروسية، ومساهمتهم في بلورة الوعي المجتمعي، وتشكيل الثقافة السياسية للمسلمين في روسيا، والسعي لإصلاح وسن القوانين في المجالات التعليمية والدينية والاجتماعية والاقتصادية، والتي تمس حقوق المجتمع المسلم بالمقام الأول، كذلك اكتسب المسلمون من خلال هذه التجربة خبرة سياسية كبيرة، لكن أحداث ثورة أكتوبر عام 1917م أطاحت بها، وتعرّض الكثير من النواب والسياسيين المسلمين بعد ذلك للملاحقة والقتل ومصادرة ممتلكاتهم.

اشترك في قناتنا على "تيليجرام" ليصلك كل جديد... (https://t.me/Ukr_Press)

أوكرانيا برس

التصنيفات: 

حقوق النشر محفوظة لوكالة "أوكرانيا برس" 2010-2022